أيضا عرفنا انه يستحيل أن يعرف بغير العقل، وان قول من قال انا سنعرفه رؤية ومشافهة بالحاسة باطل.
قوله عليه السلام (لا تجرى عليه الحركة والسكون)، هذا دليل اخذه المتكلمون عنه عليه السلام فنظموه في كتبهم وقرروه، وهو إن الحركة والسكون معان محدثة، فلو حلت فيه لم يخل منها، وما لم يخل من المحدث فهو محدث.
فان قلت إنه عليه السلام لم يخرج كلامه هذا المخرج، وإنما قال كيف يجرى عليه ما هو أجراه، وهذا نمط آخر غير ما يقرره المتكلمون.
قلت بل هو هو بعينه، لأنه إذا ثبت انه هو الذي أجرى الحركة والسكون، أي أحدثهما لم يجز أن يجريا عليه، لأنهما لو جريا عليه لم يخل اما أن يجريا عليه على التعاقب، وليسا ولا واحد منهما بقديم، أو يجريا عليه على أن أحدهما قديم ثم تلاه الاخر، والأول باطل بما يبطل به حوادث لا أول لها، والثاني باطل بكلامه عليه السلام، وذلك لأنه لو كان أحدهما قديما معه سبحانه لما كان أجراه، لكن قد قلنا إنه أجراه، أي أحدثه، وهذا خلف محال. وأيضا فإذا كان أحدهما قديما معه لم يجز أن يتلوه الاخر، لان القديم لا يزول بالمحدث.
ثم قال عليه السلام (إذا لتفاوتت ذاته، ولتجزأ كنهه، ولامتنع من الأزل معناه)، هذا تأكيد لبيان استحالة جريان الحركة والسكون عليه، تقول لو صح عليه ذلك لكان محدثا، وهو معنى قوله (لامتنع من الأزل معناه)، وأيضا كان ينبغي أن تكون ذاته منقسمة، لان المتحرك الساكن لا بد أن يكون متحيزا، وكل متحيز جسم، وكل جسم منقسم ابدا، وفى هذا إشارة إلى نفى الجوهر الفرد.