حقيقته تعالى، والسجعة الأخرى تعطى هذا المعنى أيضا من غير زيادة عليه، وهي قوله عليه السلام (ولا إياه عنى من شبهه) ولهذا قال شيوخنا إن المشبه لا يعرف الله، ولا تتوجه عباداته وصلواته إلى الله تعالى; لأنه يعبد شيئا يعتقده جسما، أو يعتقده مشابها لبعض هذه الذوات المحدثة، والعبادة تنصرف إلى المعبود بالقصد، فإذا قصد بها غير الله تعالى لم يكن قد عبد الله سبحانه ولا عرفه، وإنما يتخيل ويتوهم انه قد عرفه وعبده، وليس الامر كما تخيل وتوهم.
وثالثها قوله عليه السلام (ولا صمده من أشار إليه) أي أثبته في جهة، كما تقول الكرامية الصمد في اللغة العربية: السيد. والصمد أيضا الذي لا جوف له، وصار التصميد في الاصطلاح العرفي عبارة عن التنزيه، والذي قال عليه السلام حق، لان من أشار إليه - أي أثبته في جهة كما تقوله الكرامية - فإنه ما صمده، لأنه ما نزهه عن الجهات، بل حكم عليه بما هو من خواص الأجسام، وكذلك من توهمه سبحانه، أي من تخيل له في نفسه صورة أو هيئة أو شكلا، فإنه لم ينزهه عما يجب تنزيهه عنه.
ورابعها قوله (كل معروف بنفسه مصنوع)، هذا الكلام يجب أن يتأول، ويحمل على أن كل معروف بالمشاهدة والحس فهو مصنوع، وذلك لان الباري سبحانه معروف من طريقين: إحداهما من أفعاله، والأخرى بنفسه; وهي طريقة الحكماء الذين بحثوا في الوجود من حيث هو وجود، فعلموا انه لا بد من موجود واجب الوجود، فلم يستدلوا عليه بأفعاله، بل اخرج لهم البحث في الوجود انه لا بد من ذات يستحيل عدمها من حيث هي هي.
فان قلت كيف يحمل كلامه على أن كل معروف بالمشاهدة والحس فهو مصنوع وهذا يدخل فيه كثير من الاعراض كالألوان وإذا دخل ذلك فسدت عليه الفقرة الثانية،