وخامس عشرها: انه يحب ويرضى من غير رقة، ويبغض ويغضب من غير مشقة، وذلك لان محبته للعبد ارادته أن يثيبه، ورضاه عنه أن يحمد فعله، وهذا يصح ويطلق على الباري، لا كاطلاقه علينا، لأن هذه الأوصاف يقتضى اطلاقها علينا رقة القلب، والباري ليس بجسم، واما بغضه للعبد فإرادة عقابه وغضبه كراهية فعله ووعيده بإنزال العقاب به، وفى الأغلب إنما يطلق ذلك علينا ويصح منا مع مشقة تنالنا من إزعاج القلب وغليان دمه، والباري ليس بجسم.
وسادس عشرها: انه يقول لما أراد كونه كن، فيكون من غير صوت يقرع، ولا نداء يسمع، هذا مذهب شيخنا أبى الهذيل، واليه يذهب الكرامية واتباعها من الحنابلة وغيرهم، والظاهر أن أمير المؤمنين عليه السلام أطلقه حملا على ظاهر لفظ القرآن في مخاطبة الناس بما قد سمعوه وأنسوا به، وتكرر على أسماعهم وأذهانهم، فاما باطن الآية وتأويلها الحقيقي فغير ما يسبق إلى أذهان العوام، فليطلب من موضعه.
وسابع عشرها: إن كلامه سبحانه فعل منه أنشأه، ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا، ولو كان قديما لكان إلها ثانيا، هذا هو دليل المعتزلة على نفى المعاني القديمة التي منها القرآن، وذلك لان القدم عندهم أخص صفات الباري تعالى، أو موجب عن الأخص، فلو أن في الوجود معنى قديما قائما بذات الباري; لكان ذلك المعنى مشاركا للباري في أخص صفاته، وكان يجب لذلك المعنى جميع ما وجب للباري من الصفات، نحو العالمية والقادرية وغيرهما، فكان إلها ثانيا.
فان قلت ما معنى قوله عليه السلام (ومثله)؟
قلت: يقال مثلت له كذا تمثيلا، إذا صورت له مثاله بالكتابة أو بغيرها، فالبارئ مثل القرآن لجبريل عليه السلام بالكتابة في اللوح المحفوظ فأنزله على محمد صلى الله عليه وآله.