بفضيلة النبوة، وكانت قريش والعرب تطلبه كما تطلب محمدا صلى الله عليه وآله، وكان يدبر من أمر الاسلام وتسريب العساكر وتجهيز السرايا، وقتل الأعداء، ما يدبره محمد صلى الله عليه وآله، لكان للجاحظ أن يقول ذلك، فاما وحاله حاله، وهو أضعف المسلمين جنانا، وأقلهم عند العرب ترة، لم يرم قط بسهم، ولا سل سيفا، ولا أراق دما، وهو أحد الاتباع، غير مشهور ولا معروف، ولا طالب ولا مطلوب، فكيف يجوز أن يجعل مقامه ومنزلته مقام رسول الله صلى الله عليه وآله ومنزلته ولقد خرج ابنه عبد الرحمن مع المشركين يوم أحد فرآه أبو بكر، فقام مغيظا عليه، فسل من السيف مقدار إصبع، يريد البروز إليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله (يا أبا بكر، شم سيفك (١) وأمتعنا بنفسك)، ولم يقل له (وأمتعنا بنفسك) الا لعلمه بأنه ليس أهلا للحرب وملاقاة الرجال، وانه لو بارز لقتل.
وكيف يقول الجاحظ لا فضيلة لمباشرة الحرب، ولقاء الاقران، وقتل ابطال الشرك وهل قامت عمد الاسلام الا على ذلك وهل ثبت الدين واستقر الا بذلك أتراه لم يسمع قول الله تعالى ﴿إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص﴾ (٢) والمحبة من الله تعالى هي إرادة الثواب، فكل من كان أشد ثبوتا في هذا الصف، وأعظم قتالا، كان أحب إلى الله، ومعنى الأفضل هو الأكثر ثوابا، فعلي عليه السلام إذا هو أحب المسلمين إلى الله، لأنه أثبتهم قدما في الصف المرصوص، لم يفر قط باجماع الأمة، ولا بارزه قرن الا قتله.
أتراه لم يسمع قول الله تعالى ﴿وفضل الله المجاهدين على القاعدين اجرا عظيما﴾ (3) وقوله (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة يقاتلون