فتذكر الرواة أن جعفرا أسلم منذ ذلك اليوم، لان أباه امره بذلك وأطاع امره، وأبو بكر لم يقدر على ادخال ابنه عبد الرحمن في الاسلام حتى أقام بمكة على كفره ثلاث عشرة سنة، وخرج يوم أحد في عسكر المشركين ينادى انا عبد الرحمن بن عتيق، هل من مبارز ثم مكث بعد ذلك على كفره، حتى أسلم عام الفتح، وهو اليوم الذي دخلت فيه قريش في الاسلام طوعا وكرها، ولم يجد أحد منها إلى ترك ذلك سبيلا وأين كان رفق أبى بكر وحسن احتجاجه عند أبيه أبى قحافة وهما في دار واحدة هلا رفق به ودعاه إلى الاسلام فأسلم وقد علمتم انه بقي على الكفر إلى يوم الفتح، فأحضره ابنه عند النبي صلى الله عليه وآله وهو شيخ كبير رأسه كالثغامة (١)، فنفر رسول الله صلى الله عليه وآله منه، وقال غيروا هذا، فخضبوه، ثم جاءوا به مرة أخرى، فأسلم. وكان أبو قحافة فقيرا مدقعا سيئ الحال، وأبو بكر عندهم كان مثريا فائض المال، فلم يمكنه استمالته إلى الاسلام بالنفقة والاحسان، وقد كانت امرأة أبى بكر أم عبد الله ابنه - واسمها نملة بنت عبد العزى بن أسعد بن عبد بن ود العامرية - لم تسلم، وأقامت على شركها بمكة، وهاجر أبو بكر وهي كافرة، فلما نزل قوله تعالى ﴿ولا تمسكوا بعصم الكوافر﴾ (2)، فطلقها أبو بكر، فمن عجز عن ابنه وأبيه وامرأته فهو عن غيرهم من الغرماء أعجز، ومن لم يقبل منه أبوه وابنه وامرأته لا برفق واحتجاج، ولا خوفا من قطع النفقة عنهم، وادخال المكروه عليهم فغيرهم أقل قبولا منه، وأكثر خلافا عليه.
قال الجاحظ وقالت أسماء بنت أبي بكر ما عرفت أبى الا وهو يدين بالدين، ولقد رجع إلينا يوم أسلم، فدعانا إلى الاسلام، فما رمنا حتى أسلمنا، وأسلم أكثر جلسائه، ولذلك قالوا من أسلم بدعاء أبى بكر أكثر ممن أسلم بالسيف، ولم يذهبوا في ذلك إلى العدد، بل عنوا الكثرة في القدر، لأنه أسلم على يديه خمسة من أهل الشورى،