بالسير معرفة، وبالآثار والاخبار ممارسة، حال حروب رسول الله صلى الله عليه وآله كيف كانت، وحاله عليه السلام فيها كيف كان، ووقوفه حيث وقف، وحربه حيث حارب، وجلوسه في العريش يوم جلس، وان وقوفه صلى الله عليه وآله وقوف رياسة وتدبير، ووقوف ظهر وسند، يتعرف أمور أصحابه، ويحرس صغيرهم وكبيرهم بوقوفه من ورائهم، وتخلفه عن التقدم في أوائلهم، لأنهم متى علموا انه في أخراهم اطمأنت قلوبهم، ولم تتعلق بأمره نفوسهم، فيشتغلوا بالاهتمام به عن عدوهم، ولا يكون لهم فئة يلجئون إليها، وظهر يرجعون إليه، ويعلمون انه متى كان خلفهم تفقد أمورهم، وعلم مواقفهم، وآوى كل انسان مكانه في الحماية والنكاية وعند المنازلة في الكر والحملة، فكان وقوفه حيث وقف أصلح لأمرهم، وأحمى واحرس لبيضتهم، ولأنه المطلوب من بينهم، إذ هو مدبر أمورهم، ووالى جماعتهم، الا ترون أن موقف صاحب اللواء موقف شريف، وان صلاح الحرب في وقوفه، وان فضيلته في ترك التقدم في أكثر حالاته، فللرئيس حالات:
الأولى حالة يتخلف ويقف آخرا ليكون سندا وقوة، وردءا وعدة، وليتولى تدبير الحرب، ويعرف مواضع الخلل.
والحالة الثانية يتقدم فيها في وسط الصف ليقوى الضعيف، ويشجع الناكص (1).
وحالة ثالثة وهي إذا اصطدم الفيلقان، وتكافح السيفان، اعتمد ما تقتضيه الحال من الوقوف حيث يستصلح، أو من مباشرة الحرب بنفسه، فإنها آخر المنازل، وفيها تظهر شجاعة الشجاع النجد، وفسالة الجبان المموه.
فأين مقام الرئاسة العظمى لرسول الله صلى الله عليه وآله وأين منزله أبى بكر ليسوي بين المنزلتين، ويناسب بين الحالتين.
ولو كان أبو بكر شريكا لرسول الله صلى الله عليه وآله في الرسالة، وممنوحا من الله