يذهب إلى رأى مفرد، لا يوافقه عليه غيره منهم، فإنه إلى ذوي الكثرة أميل، وعن ذي الرأي الشاذ المنفرد أبعد، وعلى إن عليا عليه السلام لم يولد في دار الاسلام، وإنما ولد في دار الشرك وربى بين المشركين، وشاهد الأصنام، وعاين بعينه أهله ورهطه يعبدونها، فلو كان في دار الاسلام لكان في القول مجال، ولقيل انه ولد بين المسلمين، فإسلامه عن تلقين الظئر وعن سماع كلمة الاسلام ومشاهدة شعاره لأنه لم يسمع غيره، ولا خطر بباله سواه، فلما لم يكن ولد كذلك، ثبت إن اسلامه اسلام المميز العارف بما دخل عليه.
ولولا أنه كذلك لما مدحه رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك، ولا أرضى ابنته فاطمة لما وجدت من تزويجه بقوله لها زوجتك أقدمهم سلما، ولا قرن إلى قوله (وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما)، والحلم العقل، وهذان الأمران غاية الفضل، فلو لا انه أسلم اسلام عارف عالم مميز لما ضم اسلامه إلى العلم والحلم اللذين وصفه بهما وكيف يجوز أن يمدحه بأمر لم يكن مثابا عليه، ولا معاقبا به لو تركه، ولو كان اسلامه عن تلقين وتربية لما افتخر هو عليه السلام [به] (1) على رؤوس الاشهاد، ولا خطب على المنبر، وهو بين عدو ومحارب، وخاذل منافق، فقال انا عبد الله وأخو رسوله وانا الصديق الأكبر والفاروق الأعظم، صليت قبل الناس سبع سنين، وأسلمت قبل اسلام أبى بكر، وآمنت قبل ايمانه فهل بلغكم أن أحدا من أهل ذلك العصر أنكر ذلك أو عابه أو ادعاه لغيره، أو قال له إنما كنت طفلا أسلمت على (2) تربية محمد صلى الله عليه وآله ذلك، وتلقينه إياك، كما يعلم الطفل الفارسية والتركية منذ يكون رضيعا فلا فخر له في تعلم ذلك، وخصوصا في عصر قد حارب فيه أهل البصرة والشام والنهروان، وقد اعتورته الأعداء وهجته الشعراء، فقال فيه النعمان بن بشير: