إياه السجود الذي وقع الغي عنده من الشيطان، لا من الله، فصار حيث وقع عنده، كأنه موجب عنه، فنسب إلى البارئ، والتكليف تعريض للثواب ولذة الأبد، فكان جدير أن يقسم به، وقد أقسم في موضع آخر، فقال ﴿فبعزتك لأغوينهم أجمعين﴾ (١)، فاقسم بالعزة، وهاهنا أقسم بالامر والتكليف. ويجوز فيه وجه ثالث، وهو الا تكون الباء قسما، ويقدر قسم محذوف، ويكون المعنى بسبب ما كلفتني فأفضى إلى غوايتي، أقسم لأفعلن بهم نحو ما فعلت بي، وهو أن أزين لهم المعاصي التي تكون سبب هلاكهم.
فان قلت ليس هذا نحو ما فعله البارئ به، لان البارئ امره بالحسن فأباه، وعدل عنه إلى القبيح، والشيطان لا يأمرنا بالحسن فنكرهه ونعدل عنه إلى القبيح، فكيف يكون ذلك نحو واقعته مع البارئ قلت المشابهة بين الواقعتين في إن كل واحدة منهما تقع عندها المعصية، لا على وجه الاجبار والقسر، بل على قصد الاختيار، لان معصية إبليس كانت من نفسه، ووقعت عند الامر بالسجود اختيارا منه لا فعلا من البارئ، ومعصيتنا نحن عند التزيين والوسوسة تقع اختيارا منا لا اضطرارا يضطرنا إبليس إليه، فلما تشابهت الصورتان في هذا المعنى حسن قوله (بما فعلت بي كذا لأفعلن بهم نحوه).
فان قلت ما معنى قوله (في الأرض) ومن أين كان يعلم إبليس أن آدم سيصير له ذرية في الأرض قلت اما علمه بذلك فمن قول الله تعالى له وللملائكة ﴿انى جاعل في الأرض خليفة﴾ (2) واما لفظة (الأرض)، فالمراد بها هاهنا الدنيا التي هي دار التكليف، كقوله تعالى