الأصل:
فلو رخص الله في الكبر لأحد من عباده لرخص فيه لخاصة أنبيائه، ولكنه سبحانه كره إليهم التكابر، ورضى لهم التواضع، فألصقوا بالأرض خدودهم، وعفروا في التراب وجوههم، وخفضوا أجنحتهم للمؤمنين، وكانوا قوما مستضعفين; قد اختبرهم الله بالمخمصة، وابتلاهم بالمجهدة، وامتحنهم بالمخاوف، ومحصهم بالمكاره.
فلا تعتبروا الرضا والسخط بالمال والولد، جهلا بمواقع الفتنة، والاختبار في موضع الغنى والإقتار، فقد قال سبحانه وتعالى (أيحسبون إنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون) (1).
* * * الشرح:
التكابر التعاظم، والغرض مقابلة لفظة (التواضع) لتكون الألفاظ مزدوجة.
وعفر وجهه ألصقه بالعفر.
وخفضوا أجنحتهم ألانوا جانبهم.
والمخمصة الجوع والمجهدة المشقة، وأمير المؤمنين عليه السلام كثير الاستعمال لمفعل ومفعلة بمعنى المصدر، إذا تصفحت كلامه عرفت ذلك.
ومحصهم أي طهرهم، وروى (مخضهم) بالخاء والضاد المعجمة، أي حركهم وزلزلهم.