إيطاء الشيطان ببني آدم ذلك إلقاؤه إياهم فيه، وتوريطهم وحمله لهم عليه. فالإثخان على هذا منصوب لأنه مفعول ثان; لا كما زعم الراوندي انه انتصب بحذف حرف الخفض.
قوله عليه السلام (طعنا في عيونكم)، انتصب (طعنا) على المصدر، وفعله محذوف أي فعلوا بكم هذه الأفعال فطعنوكم في عيونكم طعنا، فاما من روى (وأوطأوكم لإثخان الجراحة) باللام فإنه يجعل (طعنا) منصوبا على أنه مفعول به، أي أوطأوكم طعنا وحزا، كقولك أوطأته نارا، وأوطأته عشوة، ويكون (لإثخان الجراحة) مفعولا له، أي أوطأوكم الطعن ليثخنوا جراحكم. وينبغي أن يكون (قصدا) و (سوقا) خالصين للمصدرية، لأنه يبعد أن يكون مفعولا به.
واعلم أنه لما ذكر الطعن نسبه إلى العيون، ولما ذكر الحز، وهو الذبح نسبه إلى الحلوق، ولما ذكر الدق، وهو الصدم الشديد إضافة إلى المناخر، وهذا من صناعة الخطابة التي علمه الله إياها بلا تعليم، وتعلمها الناس كلهم بعده منه.
والخزائم جمع خزامة، وهي حلقة من شعر تجعل في وترة أنف البعير فيشد فيها الزمام.
وتقول قد ورى الزند، أي خرجت ناره، وهذا الزند أورى من هذا، أي أكثر إخراجا للنار يقول فأصبح الشيطان أضر عليكم وأفسد لحالكم من أعدائكم الذين أصبحتم مناصبين لهم، أي معادين، وعليهم متألبين، أي مجتمعين.
فان قلت اما أعظم في الدين حرجا فمعلوم، فأي معنى لقوله (وأورى في دنياكم قدحا)، وهل يفسد إبليس أمر الدنيا كما يفسد أمر الدين قلت نعم لان أكثر القبائح الدينية مرتبطة بالمصالح والمفاسد الدنيوية، الا ترى انه إذا أغرى السارق بالسرقة أفسد حال السارق من جهة الدين وحال المسروق منه من جهة الدنيا،