ثم ظهر المغيرة بن سعيد (1) مولى بجيلة، فأراد أن يحدث لنفسه مقالة يستهوي بها قوما، وينال بها ما يريد الظفر به من الدنيا، فغلا في علي عليه السلام، وقال: لو شاء على لأحيا عادا وثمود وقرونا بين ذلك كثيرا.
وروى علي بن محمد النوفلي، قال جاء المغيرة بن سعيد، فاستأذن على أبى جعفر محمد ابن علي بن الحسين، وقال له: أخبر الناس أنى أعلم الغيب، وأنا أطعمك العراق.
فزجره أبو جعفر زجرا شديدا، وأسمعه ماكره، فانصرف عنه، فأتى أبا هاشم عبد الله ابن محمد بن الحنفية رحمه الله، فقال له مثل ذلك - وكان أبو هاشم أيدا - فوثب عليه فضربه ضربا شديدا أشفى به على الموت، فتعالج حتى برئ، ثم أتى محمد بن عبد الله ابن الحسن بن الحسن رحمه الله - وكان محمد سكيتا (2) - فقال له كما قال للرجلين، فسكت محمد فلم يجبه، فخرج وقد طمع فيه بسكوته، وقال: أشهد أن هذا هو المهدى الذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنه قائم أهل البيت، وادعى أن علي بن الحسين عليه السلام أوصى إلى محمد بن عبد الله بن الحسن. ثم قدم المغيرة الكوفة، وكان مشعبذا، فدعا الناس إلى قوله، واستهواهم واستغواهم، فاتبعه خلق كثير، وادعى، على محمد ابن عبد الله أنه أذن له في خنق الناس وإسقائهم السموم، وبث أصحابه في الاسفار يفعلون ذلك بالناس، فقال له بعض أصحابه: إنا نخنق من لا نعرف، فقال: لا عليكم! إن كان من أصحابكم عجلتموه إلى الجنة، وأن كان من عدوكم عجلتموه إلى النار، ولهذا السبب كان المنصور يسمى محمد بن عبد الله الخناق، وينحله ما ادعاه عليه المغيرة.
ثم تفاقم أمر الغلاة بعد المغيرة وأمعنوا في الغلو، فادعوا حلول الذات الإلهية