فحفرتا فعجل، أحداهما سربا والأخرى مكشوفة، وألقى الحطب في المكشوفة، وفتح بينهما فتحا، وألقى النار في الحطب، فدخن عليهم، وجعل يهتف بهم ويناشدهم ليرجعوا إلى الاسلام، فأبوا، فأمر بالحطب والنار فألقى عليهم، فأحرقوا، فقال الشاعر:
لترم بي المنية حيث شاءت * إذا لم ترمني في الحفرتين إذا ما حشتا حطبا بنار * فذاك الموت نقدا غير دين.
قال: فلم يبرح عليه السلام حتى صاروا حمما.
ثم استترت هذه المقالة سنة أو نحوها، ثم ظهر عبد الله بن سبأ، وكان يهوديا يتستر بالاسلام بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام فأظهرها واتبعه قوم فسموا السبئية (١)، وقالوا: إن عليا عليه السلام لم يمت، وإنه في السماء، والرعد صوته والبرق صوته، وإذا سمعوا صوت الرعد قالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين! وقالوا في رسول الله صلى الله عليه وآله أغلظ قول، وافتروا عليه أعظم فرية، فقالوا: كتم تسعة أعشار الوحي، فنعى عليهم قولهم الحسن بن علي بن محمد بن الحنفية رضي الله عنه في رسالته، التي يذكر فيها الارجاء رواها عنه سليمان بن أبي شيخ، عن الهيثم بن معاوية، عن عبد العزيز بن أبان، عن عبد الواحد بن أيمن المكي، قال: شهدت الحسن بن علي بن محمد بن الحنفية يملي هذه الرسالة فذكرها وقال فيها ومن قول هذه السبئية هدينا لوحي ضل عنه الناس، وعلم خفى عنهم وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتم تسعه أعشار الوحي ولو كتم صلى الله عليه وآله شيئا مما أنزل الله عليه لكتم شأن امرأة زيد، وقوله تعالى: ﴿تبتغى مرضات أزواجك﴾ (2).