ثم قال له كالمخاطب لانسان حاضر بين يديه: " إيه أبا وذحة "، إيه: كلمة يستزاد بها من الفعل، تقديره: زد وهات أيضا ما عندك، وضدها إيها، أي كف وأمسك.
قال الرضى رحمه الله: والوذحة الخنفساء، ولم أسمع هذا من شيخ من أهل الأدب، ولا وجدته في كتاب من كتب اللغة، ولا أدرى من أين نقل الرضى رحمه الله ذلك!
ثم إن المفسرين بعد الرضى رحمه الله قالوا في قصة هذه الخنفساء وجوها:
منها أن الحجاج رأى خنفساء تدب إلى مصلاه، فطردها فعادت، ثم طردها فعادت، فأخذها بيده، وحذف بها، فقرصته قرصا ورمت يده منها ورما كان فيه حتفه، قالوا:
وذلك لان الله تعالى قتله بأهون مخلوقاته، كما قتل نمرود بن كنعان بالبقة التي دخلت في أنفه، فكان فيها هلاكه.
ومنها أن الحجاج كان إذا رأى خنفساء تدب قريبة منه، يأمر غلمانه بإبعادها، ويقول: هذه وذحة من وذح الشيطان، تشبيها لها بالبعرة، قالوا: وكان مغرى بهذا القول، والوذح: ما يتعلق بأذناب الشاة من أبعارها فيجف.
ومنها أن الحجاج قال وقد رأى خنفساوات مجتمعات: وا عجبا لمن يقول إن الله خلق هذه! قيل: فمن خلقها أيها الأمير؟ قال: الشيطان، إن ربكم لأعظم شأنا أن يخلق هذه الوذح! قالوا: فجمعها على " فعل " كبدنة وبدن، فنقل قوله هذا إلى الفقهاء في عصره، فأكفروه.
ومنها أن الحجاج كان مثفارا (1)، وكان يمسك الخنفساء حية ليشفي بحركتها في الموضع حكاكه. قالوا: ولا يكون صاحب هذا الداء إلا شائنا مبغضا لأهل البيت. قالوا:
ولسنا نقول كل مبغض فيه هذا الداء، وإنما قلنا: كل من فيه هذا الداء فهو مبغض.
قالوا: وقد روى أبو عمر الزاهد - ولم يكن من رجال الشيعة - في أماليه وأحاديثه عن السياري