مع ذلك يحب رسول الله صلى الله عليه وآله لنسبته منه، وتربيته له، واختصاصه به من دون أصحابه، وبعد، فشرفه له، لأنهما نفس واحدة في جسمين، الأب واحد، والدار واحدة، والأخلاق متناسبة، فإذا عظمه فقد عظم نفسه، وإذا دعا إليه فقد دعا إلى نفسه، ولقد كان يود أن تطبق دعوة الاسلام مشارق الأرض ومغاربها، لان جمال ذلك لاحق به، وعائد عليه، فكيف لا يعظمه ويبجله ويجتهد في إعلاء كلمته!
فقلت له: قد كنت اليوم أنا وجعفر بن مكي الشاعر نتجاذب هذا الحديث، فقال جعفر: لم ينصر رسول الله صلى الله عليه وآله أحد نصرة أبى طالب وبنيه له، أما أبو طالب فكفله ورباه، ثم حماه من قريش عند إظهار الدعوة، بعد إصفاقهم وإطباقهم على قتله، وأما ابنه جعفر فهاجر بجماعة من المسلمين إلى أرض الحبشة، فنشر دعوته بها، وأما على فإنه أقام عماد الملة بالمدينة، ثم لم يمن أحد من القتل والهوان والتشريد بما منى به بنو أبى طالب، أما جعفر فقتل يوم مؤتة، وأما على فقتل بالكوفة بعد أن شرب نقيع الحنظل، وتمنى الموت، ولو تأخر قتل ابن ملجم له لمات أسفا وكمدا، ثم قتل ابناه بالسم والسيف، وقتل بنوه الباقون مع أخيهم بالطف، وحملت نساؤهم على الأقتاب سبايا إلى الشام، ولقيت ذريتهم وأخلافهم بعد ذلك من القتل والصلب والتشريد في البلاد والهوان والحبس والضرب ما لا يحيط الوصف بكنهه، فأي خير أصاب هذا البيت من نصرته، ومحبته وتعظيمه بالقول والفعل!
فقال رحمه الله - وأصاب فيما قال -: فهلا قلت: ﴿يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للايمان إن كنتم صادقين﴾ (1).
ثم قال: وهلا قلت له فقد نصرته الأنصار، وبذلت مهجها دونه، وقتلت بين يديه في