يغير بها على أطراف أعمال علي عليه السلام كالأنبار وغيرها، مما تقدم ذكرنا له، قال لهم:
إن الله أكرمكم بالاسلام بعد أن كنتم مجوسا، أو عباد أصنام، وبلغتم من كرامته إياكم بالاسلام منزلة عظيمة، أكرم بها إماؤكم وعبيدكم، ومن كان مظنة المهنة والمذلة.
ووصل بها جيرانكم، أي من التجأ إليكم من معاهد أو ذمي، فإن الله تعالى حفظ لهم ذمام المجاورة لكم، حتى عصم دماءهم وأموالهم، وصرتم إلى حال يعظمكم بها من لا فضل لكم عليه، ولا نعمة لكم عنده، كالروم والحبشة، فإنهم عظموا مسلمي العرب لتقمصهم لباس الاسلام والدين، ولزومهم ناموسه، وإظهارهم شعاره.
ويهابكم من لا يخاف لكم سطوة، ولا لكم عليه إمرة، كالملوك الذين في أقاصي البلاد، نحو الهند والصين وأمثالها، وذلك لأنهم هابوا دولة الاسلام، وإن لم يخافوا سطوة سيفها، لأنه شاع وذاع أنهم قوم صالحون، إذا دعوا الله استجاب لهم، وأنهم يقهرون الأمم بالنصر السماوي وبالملائكة، لا بسيوفهم ولا بأيديهم. قيل: إن العرب لما عبرت دجلة إلى القصر الأبيض الشرقي بالمدائن عبرتها في أيام مدها، وهي كالبحر الزاخر على خيولها وبأيديها رماحها، ولا دروع عليها ولا بيض، فهربت الفرس بعد رمى شديد منها للعرب بالسهام، وهم يقدمون ويحملون، ولا تهولهم السهام، فقال فلاح نبطي، بيده مسحاته وهو يفتح الماء إلى زرعه لأسوار من الأساورة معروف بالبأس وجودة الرماية: ويلكم!
أمثلكم في سلاحكم يهرب من هؤلاء القوم الحاسرين! ولذعه باللوم والتعنيف: فقال له:
أقم مسحاتك، فأقامها فرماها، فخرق الحديد حتى عبر النصل إلى جانبها الآخر، ثم قال:
انظر الآن، ثم رمى بعض العرب المارين عليه عشرين سهما لم يصبه ولا فرسه منها بسهم واحد، وإنه لقريب منه غير بعيد. ولقد كان بعض السهام يسقط بين يدي الأسوار، فقال له بالفارسية: أعلمت أن القوم مصنوع لهم! قال: نعم.