الأول سنة اثنتين وثلاثين ومائة، فصعد المنبر بالكوفة فخطب، فقال: الحمد لله الذي اصطفى الاسلام لنفسه، وكرمه وشرفه وعظمه، واختاره لنا، وأيده بنا، وجعلنا أهله وكهفه، وحصنه والقوام به، والذابين عنه، والناصرين له، وخصنا برحم رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنبتنا من شجرته، واشتقنا من نبعته، وأنزل بذلك كتابا يتلى، فقال سبحانه: ﴿قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى﴾ (1)، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله، قام بالامر أصحابه (وأمرهم شورى بينهم) (2) فعدلوا، وخرجوا خماصا (3)، ثم وثب بنو حرب وبنو مروان فابتزوها وتداولوها، واستأثروا بها، وظلموا أهلها، فأملى الله لهم حينا، فلما آسفوه (4) انتقم منهم بأيدينا، ورد علينا حقنا، فأنا السفاح المبيح، والثائر المبير (5).
* * * وكان موعوكا فاشتدت عليه الوعكة، فجلس على المنبر ولم يستطع الكلام، فقام عمه داود بن علي وكان بين يديه، فقال:
يا أهل العراق، إنا والله ما خرجنا لنحفر نهرا، ولا لنكنز لجينا ولا عقيانا، وإنما أخرجتنا الأنفة من ابتزاز الظالمين حقنا، ولقد كانت أموركم تتصل بنا فترمضنا ونحن على فرشنا، لكم ذمة الله وذمة رسوله، وذمة العباس، أن نحكم فيكم بما أنزل الله، ونعمل فيكم بكتاب الله، ونسير فيكم بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله. واعلموا أن هذا الامر ليس بخارج عنا حتى نسلمه إلى عيسى بن مريم.