أتموت البتول غضبى ونرضى * ما كذا يصنع البنون الكرام.
يخاطب عمرو يقول له: مهلا ورويدا (1) يا عمر، أي أرفق وائتد ولا تعنف بنا. وما كنت مليا، أي وما كنت أهلا لان تخاطب بهذا وتستعطف، ولا كنت قادرا على ولوج دار (2) فاطمة على ذلك الوجه الذي ولجتها عليه، لولا أن أباها الذي كان بيتها يحترم ويصان لأجله مات، فطمع فيها من لم يكن يطمع. ثم قال: أتموت أمنا وهي غضبى ونرضى نحن! إذا لسنا بكرام، فإن الولد الكريم يرضى لرضا أبيه وأمه ويغضب لغضبهما.
والصحيح عندي أنها ماتت وهي واجدة على أبى بكر وعمر، وأنها أوصت ألا يصليا عليها، وذلك عند أصحابنا من الأمور المغفورة لهما. وكان الأولى بهما إ كرامها واحترام منزلها لكنهما خافا الفرقة، وأشفقا من الفتنة، ففعلا ما هو الأصلح بحسب ظنهما، وكانا من الدين وقوة اليقين بمكان مكين، لا شك في ذلك، والأمور الماضية يتعذر الوقوف على عللها وأسبابها، ولا يعلم حقائقها إلا من قد شاهدها ولابسها، بل لعل الحاضرين المشاهدين لها يعلمون باطن الامر، فلا يجوز العدول عن حسن الاعتقاد فيهما بما جرى، والله ولى المغفرة والعفو، فإن هذا لو ثبت أنه خطا لم يكن كبيرة، بل كان من باب الصغائر التي لا تقتضي التبري، ولا توجب زوال التولي.
قال أبو بكر: وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثنا محمد بن حاتم، عن رجاله، عن ابن عباس، قال: مر عمر بعلي، وأنا معه بفناء داره فسلم عليه، فقال له على: أين تريد؟ قال: البقيع، قال: أفلا (3) تصل صاحبك، ويقوم معك (3)؟ قال: بلى، فقال لي على:
قم معه، فقمت فمشيت إلى جانبه، فشبك أصابعه في أصابعي، ومشينا قليلا، حتى إذا خلفنا البقيع قال لي يا بن عباس ما والله إن صاحبك هذا لأولى الناس بالامر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنا خفناه على اثنين، قال ابن عباس: فجاء بكلام لم أجد بدا من