وقال الفضيل: روي لي أن الله تعالى يقول في بعض ما يمن به على عبده: ألم أنعم عليك! ألم أسترك! ألم أخمل ذكرك!
وكان الخليل بن أحمد يقول في دعائه: اللهم اجعلني عندك من أرفع خلقك، واجعلني عند نفسي من أوضع خلقك، واجعلني عند الناس من أوسط خلقك.
وقال إبراهيم بن أدهم: ما قرت عيني ليلة قط في الدنيا إلا مرة، بت ليلة في بعض مساجد قرى الشام، وكان بي علة البطن، فجرني المؤذن برجلي حتى أخرجني من المسجد.
وقال الفضيل: إن قدرت على ألا تعرف، فافعل، وما عليك ألا تعرف! وما عليك ألا يثنى عليك! وما عليك أن تكون مذموما عند الناس، إذا كنت محمودا عند الله تعالى!
* * * فإن قيل: فما قولك في شهرة الأنبياء والأئمة عليهم السلام، وأكابر الفقهاء المجتهدين؟
قيل: إن المذموم طلب الشهرة، فأما وجودها من الله تعالى من غير تكلف من العبد ولا طلب فليس بمذموم، بل لا بد من وجود إنسان يشتهر أمره، فإن بطريقه ينصلح العالم، ومثال ذلك الغرقى الذين بينهم غريق ضعيف، الأولى به ألا يعرفه أحد منهم، لئلا يتعلق به فيهلك ويهلكوا معه، فإن كان بينهم سابح قوي مشهور بالقوة فالأولى ألا يكون مجهولا، بل ينبغي أن يعرف ليتعلقوا به، فينجو هو ويتخلصوا من الغرق بطريقه.