أنا رشأ بن نظيف، أنا الحسن بن إسماعيل، أنا أبو بكر أحمد بن مروان، ثنا عمرو بن حفص الشيباني، ثنا ابن خبيق، ثنا أبي، قال:
صحب يوسف بن أسباط فتى من أهل الجزيرة; فلم يكلمه إلا بعد عشر سنين، وكان يوسف يرى من جزعه وفزعه وعبادته آناء الليل والنهار، فقال له يوسف: ما كان عملك؟ فإني لا أراك تهدأ من البكاء. فقال له: كنت نباشا. فقال له يوسف: فأي شئ كنت ترى إذا وصلت إلى اللحد؟ قال: كنت أرى أكثرهم قد حولوا وجوههم عن القبلة إلا قليلا. قال يوسف: إلا قليلا! فاختلط يوسف على المكان، وذهب عقله حتى كان يحتاج أن يداوى.
قال ابن خبيق: قال أبي: دعونا سليمان الطبيب ليداوي يوسف; وكان يرجع إليه عقله أحيانا فيقول: إلا قليلا! فلم يزل به حتى داواه وصح، فلما فرغ وأراد أن يخرج سليمان الطبيب، قال يوسف: أي شئ تعطونه؟ قلنا: لا يريد منك شيئا. قال: سبحان الله! جئتم بطبيب الملوك، ولا أعطيه شيئا؟ قلنا: أعطه دينارا.
فقال: خذ هذا فادفعه إليه، وأعلمه أني لا أملك غيره لئلا يتوهم أني أقل مروءة من الملوك، فدفع إليه صرة فيها خمسة عشر دينارا. قال:
فأخذتها فدفعتها إليه، وجعل يوسف يعمل الخوص بيده حتى مات.