كان بالكوفة فتى جميل الوجه، شديد التعبد والاجتهاد، وكان أحد الزهاد، فنزل في جوار قوم من النخع، فنظر إلى جارية منهم جميلة، فهويها وهام بها عقله، ونزل بها مثل الذي نزل به. فأرسل يخطبها من أبيها، فأخبره أبوها أنها مسماة لابن عم لها. واشتد عليهما ما يقاسيان النبي من ألم الهوى، فأرسلت إليه الجارية: قد بلغني شدة محبتك لي، وقد اشتد بلائي بك لذلك، مع وجدي بك. فإن شئت زرتك وإن شئت سهلت لك أن تأتيني إلى منزلي. فقال للرسول: لا واحدة من هاتين الخصلتين; (إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) [الزمر: 13]، أخاف نارا لا يخبو سعيرها ولا يخمد لهبها فلما انصرف الرسول إليها فأبلغها ما قال، قالت: وأراه مع هذا زاهدا يخاف الله تعالى؟!
والله ما أحد أحق بهذا من أحد; وإن العباد فيه لمشتركون.
ثم انخلعت من الدنيا، وألقت علائقها خلف ظهرها، ولبست المسوح، وجعلت تعبد، وهي مع ذلك تذوب وتنحل حبا للفتى وأسفا عليه، حتى ماتت شوقا إليه. فكان الفتى يأتي قبرها. فرآها في منامه وكأنها في أحسن منظر، فقال: كيف أنت، وما لقيت بعدي؟ فقالت: