فأقبل ما لا يحصى عددهم على ألوان شتى، ألوانهم كلهب النار، لهم بالتسبيح والتهليل زجل. فاشتد فزع موسى عليه السلام وساء ظنه ويئس من الحياة. فقال له رأس الملائكة: يا ابن عمران! اصبر حتى ترى ما لا تصبر عليه. ثم أوحى الله تعالى إلى ملائكة السماء الرابعة أن اهبطوا إلى موسى بالتسبيح، فهبطوا، ألوانهم كلهب النار وسائر خلقهم كالثلج، لهم أصوات عالية بالتسبيح والتقديس لا تشبه أصوات الذين مروا به. فقال له رأس الملائكة: يا موسى! اصبر على ما سألت.
فكذلك أهل كل سماء إلى السماء السابعة ينزلون إليه بألوان مختلفة وأبدان مختلفة، وأقبلت ملائكة يخطف نورهم الأبصار ومعهم حراب، الحربة كالنخلة الطويلة العظيمة كأنها نار أشد ضوءا من الشمس. وموسى عليه السلام يبكي رافعا صوته يقول: يا رب! اذكرني ولا تنسني أنا عبدك، ما أظن أن أنجو مما أنا فيه، إن خرجت احترقت، وإن مكثت مت. قال له رأس الملائكة قد أوشكت أن تمتلئ خوفا وينخلع قلبك، هذا الذي جلست لتنظر إليه.
قال: ونزل جبريل وميكائيل وإسرافيل ومن في سبع سماوات وحملة العرش والكرسي وأقبلوا عليه يقولون: يا خاطئ ابن الخاطئ! ما الذي رقاك إلى هاهنا! وكيف اجترأت أن تسأل ربك أن تنظر إليه؟ وموسى عليه السلام يبكي وقد اصطكت ركبتاه