أن القس كان عند أهل مكة من أحسنهم عبادة، وأظهرهم تبتلا وأنه مر يوما بسلامة جارية كانت لرجل من قريش، فسمع غناءها. فوقف يستمع; فرآه مولاها فقال: هل لك أن تدخل فتسمع؟
فتأبى عليه، فلم يزل به حتى تسمح وقال: أقعدني في موضع لا أراها ولا تراني. قال: أفعل. فدخل، فتغنت، فأعجبته. فقال مولاها:
هل لك أن أحولها إليك؟ فتأبى، ثم تسمح. فلم يزل يسمع غناءها حتى شغف بها وشغفت به; وعلم ذلك أهل مكة. فقالت له يوما:
أنا والله أحبك. قال: وأنا والله أحبك. قالت: وأحب أن أضع فمي على فمك. قال: وأنا والله. قالت: أحب أن ألصق صدري بصدرك، وبطني ببطنك. قال: وأنا والله. قالت: فما يمنعك؟ فوالله إن الموضع لخال. قال: إني سمعت الله تعالى يقول: * (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) * [الزخرف: 67]; وأنا أكره أن تكون خلة ما بيني وبينك تؤول بنا إلى عداوة يوم القيامة.
قالت: يا هذا! أتحسب أن ربي وربك لا يقبلنا إذا تبنا إليه؟ قال: بلى!
ولكن لا آمن أن أفاجأ. ثم نهض وعيناه تذرفان، فلم يرجع بعد، وعاد إلى ما كان عليه من النسك.