من أنت يا عبد الله؟ قال: رجل من المسلمين. قال: قلت: ما حالك هذه؟ قال: حال نعمة يجب علي حمد الله فيها. قال: قلت: كيف وإنما أنت في حصير؟ قال: وما لي لا أحمد الله أن خلقني فأحسن خلقي وجعل مولدي ومنشئي في الإسلام، وألبسني العافية في أركاني، وستر علي ما أكره ذكره أو نشره؟! فمن أعظم نعمة ممن أمسى في مثل ما أنا فيه؟ قال: قلت: رحمك الله! إن رأيت أن تقوم معي إلى المنزل فإنا نزول على النهر. قال: ولمه؟ قلت: لتصيب من الطعام ولنعطيك ما يغنيك عن لبس الحصير. قال: ما بي حاجة.
قال الوليد: فحسبت أنه قال: إن لي في أكل العشب كفاية عما قال أبو عبد رب، قال: فأردته على أن يتبعني; فأبى، قال:
ما لي به من حاجة.
قال أبو عبد رب: فانصرفت وقد تقاصرت إلي نفسي ومقتها أني لم أخلف بدمشق رجلا في الغنى يكاثرني وأنا ألتمس الزيادة فيه وقلت: اللهم! إني أتوب إليك من سوء ما أنا فيه. قال: فبت ولم يعلم إخواني بما قد أجمعت به. فلما كان من السحر رحلوا كنحو من رحيلهم فيما مضى; وقدموا إلي دابتي فركبتها وصرفتها إلى دمشق.
وقلت: ما أنا بصادق التوبة إن أنا مضيت في متجري هذا، فسألني القوم فأخبرتهم; وعاتبوني على المضي فأبيت.