المذكور في الحديث ولم يكن انعقاد البيعة وانبرامها متوقفا على حضوره فلم يجب عليه الحضور لذلك ولا لغيره فلما لم يجب لم يحضر وما نقل عنه قدح في البيعة ولا مخالفة ولكن بقي في نفسه عتب فتأخر حضوره إلى أن زال العتب وكان سبب العتب أنه مع وجاهته وفضيلته في نفسه في كل شئ وقربه من النبي (صلى الله عليه وسلم) وغير ذلك رأى أنه لا يستبد بأمر إلا بمشورته وحضوره وكان عذابي بكر وعمر وسائر الصحابة واضحا لأنهم رأوا المبادرة بالبيعة من أعظم مصالح المسلمين وخافوا من تأخيرها حصول خلاف ونزاع تترتب عليه مفاسد عظيمة ولهذا أخروا دفن النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى عقدوا البيعة لكونها كانت أهم الأمور كيلا يقع نزاع في مدفنه أو كفنه أو غسله أو الصلاة عليه أو غير ذلك وليس لهم من يفصل الأمور فرأوا تقدم البيعة أهم الأشياء والله أعلم قوله (فأرسل إلى أبي بكر رضي الله عنه أن ائتنا ولا يأتنا معك أحد كراهية محضر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال عمر لأبي بكر رضي الله عنه والله لا تدخل عليهم وحدك) أما كراهتهم لمحضر عمر فلما علموا من شدته وصدعه بما يظهر له فخافوا أن ينتصر لأبي بكر رضي الله عنه فيتكلم بكلام يوحش قلوبهم على أبي بكر وكانت قلوبهم قد طابت عليه وانشرحت له فخافوا أن يكون حضور عمر سببا لتغيرها وأما قول عمر لا تدخل عليهم وحدك فمعناه أنه خاف أن يغلظوا عليه في المعاتبة ويحملهم على الإكثار من ذلك لين أبي بكر وصبره عن الجواب عن نفسه وربما رأى من كلامهم ما غير قلبه فيترتب على ذلك مفسدة خاصة أو عامة وإذا حضر عمر امتنعوا من ذلك وأما كون عمر حلف أن لا يدخل عليهم أبو بكر وحده فحنثه أبو بكر ودخل وحده ففيه دليل على أن إبرار القسم إنما يؤمر به الإنسان إذا أمكن
(٧٨)