باب اختلاف المجتهدين فيه حديث أبي هريرة في قضاء داود وسليمان (صلى الله عليه وسلم) في الولدين اللذين أخذ الذئب أحدهما فتنازعته أماهما فقضى به داود للكبرى فلما مرتا بسليمان قال أقطعه بينكما نصفين فاعترفت به الصغرى للكبرى بعد أن قالت الكبرى اقطعه فاستدل سليمان بشفقة الصغرى على أنها أمه وأما الكبرى فما كرهت ذلك بل أرادته لتشاركها صاحبتها في المصيبة بفقد ولدها قال العلماء يحتمل أن داود (صلى الله عليه وسلم) قضى به للكبرى لشبه رآه فيها أو أنه كان في شريعته الترجيح بالكبير أو لكونه كان في يدها وكان ذلك مرجحا في شرعه وأما سليمان فتوصل بطريق من الحيلة والملاطفة إلى معرفة باطن القضية فأوهمهما أنه يريد قطعة ليعرف من يشق عليها قطعة فتكون هي أمه فلما أرادت الكبرى قطعة عرف أنها ليست أمه فلما قالت الصغرى ما قالت عرف أنها أمه ولم يكن مراده أنه يقطعه حقيقة وإنما أراد اختبار شفقتهما لتتميز له الأم فلما تميزت بما ذكرت عرفها ولعله استقر الكبرى فأقرت بعد ذلك به للصغرى فحكم للصغرى بالإقرار لا بمجرد الشفقة المذكورة قال العلماء ومثل هذا يفعله الحكام ليتوصلوا به إلى حقيقة الصواب بحيث إذا انفرد ذلك لم يتعلق به حكم فإن قيل كيف حكم سليمان بعد حكم داود في القصة الواحدة ونقض حكمه والمجتهد لا ينقض حكم المجتهد فالجواب من أوجه مذكورة أحدها أن داود لم يكن جزم بالحكم والثاني أن يكون ذلك فتوى من داود لا حكما والثالث لعله كان في شرعهم فسخ الحكم إذا رفعه الخصم إلى حاكم آخر يرى خلافة والرابع أن سليمان فعل ذلك حيلة إلى اظهار الحق وظهور الصدق فلما أقرت به الكبرى عمل باقرارها وإن كان بعد الحكم كما إذا اعترف المحكوم له بعد الحكم أن الحق هنا لخصمه قوله (فقالت الصغرى لا يرحمك الله هو ابنها) معناه لا تشقه وتم
(١٨)