قال وقد غفل بعض الناس عن هذا القول فأوقعه ذلك في أن قال الرواية أنا النبي لا كذب بفتح الباء حرصا منه على أن يفسد الروي فيستغني عن الاعتذار وإنما الرواية بإسكان الباء هذا كلام القاضي عن المازري قلت وقد قال الإمام أبو القاسم علي بن أبي جعفر بن علي السعدي الصقلي المعروف بابن القطاع في كتابه الشافي في علم القوافي قد رأي قوم منهم الأخفش وهو شيخ هذه الصناعة بعد الخليل أن مشطور الرجز ومنهوكه ليس بشعر كقول النبي (صلى الله عليه وسلم) مولانا ولا مولى لكم وقوله (صلى الله عليه وسلم) هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت وقوله (صلى الله عليه وسلم) أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وأشباه هذا قال ابن القطاع وهذا الذي زعمه الأخفش وغيره غلط بين وذلك لأن الشاعر إنما سمى شاعرا لوجوه منها أنه شعر القول وقصده وأراده واهتدى إليه وأتى به كلاما موزونا على طريقة العرب مقفى فإن خلا من هذه الأوصاف أو بعضها لم يكن شعرا ولا يكون قائله شاعرا بدليل أنه لو قال كلاما موزونا على طريقة العرب وقصد الشعر أو أراده ولم يقفه لم يسم ذلك الكلام شعرا ولا قائله شاعرا بإجماع العلماء والشعراء وكذا لو قفاه وقصد به الشعر ولكن لم يأت به موزونا لم يكن شعرا وكذا لو أتى به موزونا مقفى لكن لم يقصد به الشعر لا يكون شعرا ويدل عليه أن كثيرا من الناس يأتون بكلام موزون مقفى غير أنهم ما قصدوه ولا أرادوه ولا يسمى شعرا وإذا تفقد ذلك وجد كثيرا في كلام الناس كما قال بعض السؤال اختموا صلاتكم بالدعاء والصدقة وأمثال هذا كثيرة فدل على أن الكلام الموزون لا يكون شعرا إلا بالشروط المذكورة وهي القصد وغيره مما سبق والنبي (صلى الله عليه وسلم) لم يقصد بكلامه ذلك الشعر ولا أراده فلا يعد شعرا وإن كان موزونا والله أعلم [فإن قيل كيف قال النبي (صلى الله عليه وسلم) أنا ابن عبد المطلب فانتسب إلى جده دون أبيه وافتخر بذلك مع أن الافتخار في حق أكثر الناس من عمل الجاهلية فالجواب أنه (صلى الله عليه وسلم) كانت شهرته بجده أكثر لأن أباه عبد الله توفى شابا في حياة أبيه عبد المطلب قبل اشتهار عبد الله وكان عبد المطلب مشهورا شهرة ظاهرة شائعة وكان سيد أهل مكة وكان كثير من الناس يدعون النبي (صلى الله عليه وسلم) ابن عبد المطلب ينسبونه إلى جده لشهرته] ومنه حديث همام بن ثعلبة في قوله أيكم ابن عبد المطلب وقد كان مشتهرا عندهم أن عبد المطلب بشر بالنبي (صلى الله عليه وسلم) وأنه سيظهر وسيكون شأنه عظيما وكان قد أخبره بذلك سيف بن ذي يزن وقيل أن عبد المطلب رأى
(١١٩)