ولأنه أيضا يكون معتمدا يرجع المسلمون إليه وتطمئن قلوبهم به وبمكانه وإنما فعل هذا عمدا وإلا فقد كانت له (صلى الله عليه وسلم) أفراس معروفة ومما ذكره في هذا الحديث من شجاعته (صلى الله عليه وسلم) تقدمه يركض بغلته إلى جمع المشركين وقد فر الناس عنه وفي الرواية الأخرى أنه نزل إلى الأرض حين غشوه وهذه مبالغة في الثبات والشجاعة والصبر وقيل فعل ذلك مواساة لمن كان نازلا على الأرض من المسلمين وقد أخبرت الصحابة رضي الله تعالى عنهم بشجاعته (صلى الله عليه وسلم) في جميع المواطن وفي صحيح مسلم قال إن الشجاع منا الذي يحاذي به وإنهم كانوا يتقون به قوله (صلى الله عليه وسلم) (أي عباس ناد أصحاب السمرة) هي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان ومعناه ناد أهل بيعة الرضوان يوم الحديبية] قوله (فقال عباس وكان رجلا صيتا) ذكر الحازمي في المؤتلف أن العباس رضي الله تعالى عنه كان يقف على سلع فينادي غلمانه في آخر الليل وهم في الغابة فيسمعهم قال وبين سلع والغابة ثمانية أميال قوله (فوالله لكان عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا يا لبيك يا لبيك) قال العلماء في هذا الحديث دليل على أن فرارهم لم يكن بعيدا وأنه لم يحصل الفرا من جميعهم وإنما فتحه عليهم من في قلبه مرض من مسلمة أهل مكة المؤلفة ومشركيها الذين لم يكونوا أسلموا وإنما كانت هزيمتهم فجأة لانصبابهم عليهم دفعة واحدة ورشقهم بالسهام ولاختلاط أهل مكة معهم ممن لم يستقر الإيمان في قلبه وممن يتربص بالمسلمين الدوائر وفيهم نساء وصبيان خرجوا للغنيمة فتقدم اخفاؤهم فلما رشقوهم بالنبل ولوا فانقلبت أولاهم على أخراهم إلى أن أنزل الله تعالى سكينته على المؤمنين كما ذكر
(١١٥)