فاجتازوا ذلك الخليج بإذن الله جميعا يمشون على مثل رملة ميثاء (1) فوقها ماء يغمر أخفاف الإبل، وإن ما بين الساحل ودارين مسيرة يوم وليلة لسفن البحر في بعض الحالات، فالتقوا بها واقتتلوا قتالا شديدا فما تركوا بها مخبرا، وسبوا الذراري واستاقوا الأموال فبلغ نفل الفارس ستة آلاف والراجل ألفين. قطعوا إليهم وساروا يومهم، فلما فرغوا رجعوا عودهم على بدئهم، حتى عبروا. وفي ذلك يقول عفيف بن المنذر:
ألم تر أن الله ذلل بحره * وأنزل بالكفار إحدى الجلائل دعونا الذي شق الرمال فجاءنا * بأعجب من فلق البحار الأوائل فلما رجع العلاء إلى البحرين وضرب الاسلام فيها بجرانه (2) وعز الاسلام وأهله، وذل الشرك وأهله، وكان مع المسلمين راهب في هجر فأسلم يومئذ، فقيل، ما دعاك إلى الاسلام؟ قال: ثلاثة أشياء، خشيت أن يمسخني الله بعدها إن أنا لم أفعل: فيض في الرمال، وتمهيد أثباج البحار، ودعاء سمعته في عسكرهم في الهواء من السحر قالوا: وما هو؟ قال: " اللهم أنت الرحمن الرحيم لا إله غيرك، والبديع ليس قبلك شئ والدائم غير الغافل، والحي الذي لا يموت وخالق ما يرى وما لا يرى، وكل يوم أنت في شأن، وعلمت اللهم كل شئ بغير تعلم " فعلمت أن القوم لم يعانوا بالملائكة إلا وهم على أمر الله، فلقد كان أصحاب رسول الله يسمعون من ذلك الهجري بعد.