وانتقل الامام، بعد أن فرغ من أمر الجمل، بحكومته من الحجاز إلى العراق، واتخذ الكوفة قاعدة لحكمه. والكوفة يومئذ مركز الثقل في المجتمع الاسلامي الناشئ.
وفي العراق استمر الامام على سياسته المالية والإدارية التي استنها لنفسه، وأذاعها في الناس، فالمساواة في الأعطية أمر مفروغ منه، ومؤاخذة العمال على الصغيرة والكبيرة، ومراقبتهم وإذكاء العيون عليهم أمر لازم لا معدى عنه.
وكانت العناصر المسلمة غير العربية كثيرة في الكوفة، فكانت تضم عددا كبيرا من الفرس وغيرهم ممن دخلوا في الاسلام، وكان هؤلاء يحتلون طبقة اجتماعية منحطة في نظر العرب ذوي النزعة القبلية، وكان من العسير على العربي أن يتصور أنه مساو في القيمة لهؤلاء، ولذلك كان يطمح إلى أن يتميز عليهم، ولكن الإمام عليه السلام لم يلق بالا إلى كل هذا، فالمساواة مبدأ شامل يسري على كل فرد عربيا كان أو أعجميا.
لقد كان حريا بهذه السياسة الواعية لآلام الشعب وآماله، الطامحة إلى إسعاده، أن تنجح لو لم تعاكسها سياسة أخرى.
ففي الوقت الذي قامت فيه حكومة الامام في الكوفة، قامت حكومة أخرى في الشام برياسة معاوية بن أبي سفيان.
وبينما كانت حكومة الامام تسير على نهج إسلامي خالص، أي أنها كانت تحقق للرعية أقصى قدر مستطاع - في ظروفها الاقتصادية والسياسية والعسكرية - من الرفاهية والامن والعدالة، كانت حكومة معاوية تسير على نهج آخر في الحكم يقوم على شراء الضمائر بالمال، وتفضيل طائفة على حساب حرمان طائفة أخرى، وتعطيل السبل، وتعكير الامن.
ولم يكن معاوية يبالي في أن ينزل بدافعي الضرائب من الزراع والتجار