فهذا علم واسع بالغ السعة متراحب الآفاق، ومهما يكن الظرف الزماني الذي قضاه الامام مع النبي طويلا، ومهما تكن الأوقات الخاصة التي يفرغ فيها النبي للامام وحده طويلة وكثيرة، فإن ذلك كله لا يسع الافضاء ببعض هذا العلم إلى الامام على نحو التفصيل، بحيث يتناول التعليم الجزئيات الدقيقة، والتفصيلات الكثيرة، فضلا عن أن يسع الافضاء إليه بكل هذا العلم على هذا النحو من الافضاء.
وإذ كانت الحال على هذا فلا نستطيع أن نتصور أن النبي قد أفضى إلى الامام بكل حادثة من الحوادث المقبلة إلى قيام الساعة على نحو التفصيل، ولكن الإمام عليه السلام يصرح بما لا يدع مجالا للشك بأنه قد استقى علمه هذا من النبي صلى الله عليه وآله، فكيف السبيل إلى ملاءمة هذا الذي يقوله الامام مع ما تبين لنا من عدم استيعاب الظرف الزماني للافضاء بكل هذه العلوم؟
الذي أراه هو أن النبي صلى الله عليه وآله لم يفض إلى الامام بالمغيبات على نحو التفصيل الذي يلم بجميع الجزئيات، فقد رأينا أن العقل يحيل ذلك لان الزمان مهما يطل لا يتسع له. وإنما أفضى إليه بهذه المغيبات على نحو الاجمال لا التفصيل.
فقد رأينا ان نشاط هذه القوى الخفية المودعة في الانسان والتي تصله بالمجهول المحجوب في أحشاء الزمان أو ثنايا المكان، يتوقف على الحالة العقلية والروحية والوجدانية التي يكون عليها الانسان، فكلما كان الانسان على حال رفيعة من الصفاء العقلي والطهارة الروحية والنقاء الوجداني كانت هذه القوى أنشط وأبلغ في النفوذ إلى المغيب المحجوب، والذي نراه بالنسبة إلى الإمام عليه السلام هو ان النبي قد أخبره بالمغيبات على نحو الاجمال ثم هداه إلى أقوم السبل التي تؤدي به إلى أرفع درجات هذه الحالة الروحية التي تتيح لقواه الخفية ان تعمل عملها الخارق فيعي بسببها تفصيل ما أجمله له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.