موجود حقيقي وإن كان الذهن لا يستطيع أن يتخيلها لأننا نشاهد آثارها وعملها في الحياة اليومية).
واذن، فليس الواقع هو ما نحسه، وإنما الواقع هو ما يعمل على صياغة حياتنا بآثاره وإن لم يبلغ علمنا مدى كنهه. وإذا كان هذا هو الواقع فما الذي يمنع أن تكون الروح حقيقة من الحقائق الجمة التي تصنع حياتنا بآثارها؟ إن جهلنا بحقيقتها لا يبرر نكران وجودها. وقد عرفت ان الذين ينكرونها يبنون نكراهم على ما لا يصلح أن يكون أساسا للموقف العقلي الذي التزموه تجاه الروح فالأداة التي اصطنعوها لمعرفة الروح قاصرة عن أن تنيلهم ما أرادوا.
لقد حدس القدماء فلم يهدهم حدسهم إلى شئ، ولقد جرب المحدثون فلم تهدهم تجربتهم إلى شئ، ويقف الانسان مكتوف اليدين أمام غياهب الاسرار، ويردد حكم القرآن في اعتراف بالعجز: (ويسئلونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) (1).
ونخلص من هذا كله إلى القول بأن منكري (المغيبات) ليسوا سوى طائفة من الناس تنظر إلى الانسان من أحد جوانبه وتبني أحكامها على ما ترى غير حاسبة أن ثمة غير هذا الجانب، وأن حكمها على الانسان قبل الإحاطة به من أقطاره - في الحدود التي تبلغها المعرفة - ضرب من الخبط العشوائي الذي لا يليق بمن يدعي العلم ويستهديه فيما يفعل أو يقول، وهؤلاء أشبه بمن يحكم بأن لون الهرم أحمر لمجرد أنه رأى ضلعا واحدا من أضلاعه بهذا اللون قبل أن يرى بقية الأضلاع.