(1) في ناس هذا العصر من يقول هذا.
وطبيعة الثقافة المنحرفة التي يلقاها إنسان هذا العصر في كل مكان هي التي تدفع بهؤلاء إلى أن يقفوا هذا الموقف ويتجهوا هذا المتجه في إنكار كل دعوى تذهب إلى أن في الانسان شيئا آخر وراء غدده وخلاياه.
الثقافة الحديثة هي التي تفرض على الانسان مثل هذا الموقف فهذه الثقافة تعتبر الانسان - آلة - آلة دقيقة الصنع فقط، وهي تخضع في عملياتها لقانون الآلة وحده، فلا شئ وراء الغدد والأعصاب يمكن أن يعتبر موجها للنشاط الانساني وباعثا له.
هذه النظرية، نظرية الانسان الآلة، وجدت أول تعبير لها على لسان ديكارت في فلسفته حينما اعتبر الانسان آلة، وأنشأ ثنائية النفس والجسد، ثم وجدت تعبيرا أشد صراحة على لسان توماس هوبس في فلسفته الميكانيكية، والذي جرد الكائن الانساني من كل قوة غير مدركة. وبينما كان ديكارت يعترف بنشاط داخلي سماه (الأفكار الباطنية) نرى هوبس قد تنكر لهذا وأرجع مضمون الفكرة إلى الخبرة الحسية وحدها.