التجريب، فكل شئ يجب أن يخضع للتجربة المعملية ليصح أن يؤمن به، فإذا لم يخضع للتجربة لم يصح أن يؤمن به كما لو خضع لها وكشفت زيفه.
وقد عاد هذا الاتجاه التجريبي على الحضارة بما لا يتصور مدى خصبه من النتائج، ولكن الخطأ وقع حين داخلت العلم العزة بنفسه فادعى أن بوسعه أن يدخل الانسان إلى المعمل ويجعله موضوعا للتجريب. وليس الانسان موضوع التجريب هنا هو هذه الكتلة من اللحم والعظم المشدودة إلى بعضها بجهاز من العصب، وإنما هو النفس الانسانية. فقد ادعى العلم الحديث أن بإمكانه أن يفحص صحة الدعوى الكبرى القائلة بوجود الروح والنفس ليثبت صحتها أو بطلانها عن طريق التجربة المعملية.
وقد اضطلع بهذه المهمة علمان تجريبيان، هما الفيزيولوجيا والسيكولوجيا، هذان العلمان أدخلا الانسان إلى المعمل ليريا أحق ما يقال من أن وراء هذه التشكيلة الدقيقة من الغدد والخلايا والأجهزة العصبية والحشوية شيئا يسمى نفسا وروحا، أو ان هذه خرافة من جملة الخرافات؟
ولقد كانت النتيجة بطبيعة الحال - وهذا شئ كان من الممكن أن نجزم به سلفا - هي أن لا روح ولا نفس ولا شئ وراء جسم الانسان.
وأذيعت هذه النتائج على أنها (حقائق) أثبتها العلم التجريبي وآمن بها الناس، لان العلم التجريبي والتطبيقي، الذي أخضع الأمراض لسلطانه، وكشف عللها ووضع أدويتها، والذي لا يزال يفجؤنا كل يوم بجديد لا يمكن أن يستعصي عليه هذا الموضوع.
وعلى هذا النحو المسرحي حلت المشكلة - أعقد وأعضل مشكلة واجهت العقل الانساني منذ القدم - واعتبر أمر الروح الانسانية قد انقضى.