وقد تقدم منا في حديثنا عن المجتمع والطبقات الاجتماعية في نهج البلاغة أن عرضنا إلى طرف من ذلك، فرأينا كيف أن الامام في عهده العظيم إلى مالك الأشتر قد وضع الأسس المتينة لانشاء جهاز حكم يعمل للشعب وللشعب فقط، غير ملق بالا إلى منافع طبقة خاصة تسعد على حساب الشعب وتنعم بجهوده.
وسنعرض في حديثنا هذا طرفا من الشواهد التي تدل على أن الحكم الذي مارسه الإمام عليه السلام ودعا إلى ممارسته هو الحكم من أجل الشعب، وما تقدم في بحث الطبقات الاجتماعية، وما سيمر هنا يؤلف هيكلا يكاد أن يكون كاملا لفلسفة الحكم عند الإمام عليه السلام.
* * * من ضرورات الحكم الصالح المشاركة الوجدانية بين الراعي والرعية، إذ بها يستطيع الحاكم أن يتعرف على آمال المحكومين وآلامهم ومطامحهم، وأن يعي حاجاتهم ومخاوفهم، فيعمل لخيرهم ويضع كل شئ مما يصلحهم موضعه.
ويشعرهم ذلك برعايته لهم، وحياطته لأمورهم، وعمله لصالحهم، فيدعمون حكمه بحبهم وإيثارهم له، ويؤازرونه في السراء والضراء على السواء.
ولا يحصل شئ من هذا إذا ما أغلق الحاكم دونهم قلبه وأغمض عنهم عينه.
إنه حينذاك لا يعرف شيئا من أمورهم ليعمل على الاصلاح، وتكون عاقبة ذلك أن يفقد حبه في قلوبهم، ويشعرون بأنه شئ غريب عنهم مفروض عليهم، كالحشرة الطفيلية التي تعيش على دماء الحيوان الذي تلتصق به.
قال عليه السلام:
(. وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا