كله لنفسه ولا يوجب عليها حقا، فذاك الأحمق الذي لا حيلة في مداواته " (١).
ويمكن أن نقسم المتعصبين المعاندين الذين لا يتسنى زوال الحجب عنهم إلى قسمين:
الأول: الذين يتنبهون ويعترفون بالحق إذا نزل بهم عذاب الاستئصال، أي البلاء الذي يعقبه الموت والهلاك.
الثاني: الذين لا يتنبهون ولا يؤثر فيهم عذاب الاستئصال.
كان فرعون من القسم الأول وأبو جهل من القسم الثاني. لقد مني فرعون وأتباعه بالتعصب والكبر واللجاجة، وبعامة بحجب المعرفة، بحيث لم تنبههم مواعظ موسى ﴿عليه السلام﴾ (2)، ولا احتجاجاته لإثبات التوحيد (3)، ولا معجزاته لإثبات نبوته (4)، ولا البلايا والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية (5) التي حلت بهم نتيجة مخالفتهم للحق، بيد أن سوط " عذاب الاستئصال " أرغم فرعون على الاعتراف بالحق: * (فلما أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) * (6)!
أما أبو جهل فلم يذعن للحق حتى عند الموت، لذا عندما مر رسول الله (صلى الله عليه وآله) على القتلى بعد معركة بدر ووصل إلى جسد أبي جهل، قال: " إن هذا أعتى على الله من فرعون، إن فرعون لما أيقن بالهلاك وحد الله، وإن هذا لما أيقن بالهلاك دعا باللات والعزى " (7).
إن الذين لا يفيقون من مواعظ الأنبياء وتحذيرهم، ولا يؤثر فيهم سوط البلاء، بل سوط عذاب الاستئصال أيضا، فإن سوط الموت يوقظهم ويزيل حجب الغفلة