فدك في التاريخ - السيد محمد باقر الصدر - الصفحة ١٩٠
الحاكم في هذا الطور من المقايسة على البينة، لأن الحاكم قد يخطأ كما أن البينة قد تخطأ، فهما في شرع الواقع سواء كلاهما مظنة للزلل والاشتباه.
ولكن في المسألة أمر غفل عنه الباحثون أيضا، وهو أن ما يعلمه الخليفة من صدق (1) الزهراء يستحيل أن لا يكون حقيقة، لأن سبب علمه بصدقها ليس من الأسباب التي قد تنتج توهما خاطئا وجهلا مركبا، وإنما هو قرآن كريم دل على عصمة (1) المدعية. وعلى ضوء هذه الخاصية التي يمتاز بها العلم بصدق الزهراء، يمكننا أن نقرر أن البينة التي قد تخطأ إذا كانت دليلات شرعيا مقتضيا للحكم على طبقه. فالعلم الذي لا يخطئ وهو ما كان بسبب شهادة الله تعالى بعصمة المدعي، وصدقة أولى بأن يكتسب تلك الصفة في المجالات القضائية.
وعلى أسلوب آخر من البيان نقول: إن القرآن الكريم لو كان قد نص على ملكية الزهراء لفدك وصدقها في دعوى النحلة لم يكن في المسألة متسع للتشكيك لمسلم أو مساغ للتردد لمحكمة من محاكم القرآن. ومن الواضح أن نصه على عصمة الزهراء في قوة النص على النحلة، لأن المعصوم لا يكذب، فإذا ادعى شيئا فدعواه صائبة بلا شك. ولا فرق بين النص على العصمة والنص على النحلة فيما يتصل بمسألتنا، سوى أن ملكية الزهراء لفدك هي المعنى الحرفي للنص الثاني، والمعنى المفهوم من النص

(١) راجع قوله - أي الخليفة الأول - في تصديق الزهراء، شرح النهج ١٦: ٢١٦.
(٢) كما في آية التطهير قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل لبيت ويطهركم تطهيرا) الأحزاب / ٣٣. راجع المستدرك ٣: ١٦٠ - ١٦١، طبعة دار الكتب العلمية، راجع صحيح مسلم ٥: ٣٧، فضائل الصحابة، باب فضائل أهل البيت عليهم السلام، ط 1، مؤسسة عز الدين - بيروت / 1407 ه‍، تحقيق الدكتور موسى لاشين والدكتور أحمد عمر هاشم.
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»
الفهرست