قوما قط أسر، ولا سرورا قط أظهر من سرور رأيته بالشام حين أتاهم هلاك محمد بن أبي بكر فقال علي: أما إن حزننا عليه قدر سرورهم به بل يزيد أضعافا، وحزن علي على محمد بن أبي بكر حتى رؤي ذلك في وجهه وتبين فيه، وقام في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله صلى الله عليه وسلم وقال: ألا إن مصر قد افتتحها الفجرة أولو الجور والظلم الذين صدوا عن سبيل الله وبغوا الاسلام عوجا، ألا وإن محمد بن أبي بكر قد استشهد رحمه الله فعند الله نحتسبه، أما والله إن كان ما علمت لممن ينتظر القضاء، ويعمل للجزاء، ويبغض شكل الفاجر، ويحب هدى المؤمن. الخطبة (1) وقال أبو عمر: يقال: إن محمد بن أبي بكر أتي به عمرو بن العاص فقتله صبرا.
وروى شعبة وابن عيينة عن عمرو بن دينار قال: أتي عمرو بن العاص بمحمد بن أبي بكر أسيرا فقال: هل معك عهد؟! هل معك عقد من أحد؟! قال: لا فأمر به فقتل، وكان علي بن أبي طالب يثني على محمد بن أبي بكر ويفضله لأنه كانت له عبادة واجتهاد (2).
وقال ابن حجر: قيل: إنه اختفى في بيت امرأة من غافق آواه فيه أخوها، وكان الذي يطلبه معاوية بن حديج، فلقيتهم أخت الرجل الذي كان آواه وكانت ناقصة العقل فظنت إنهم يطلبون أخاها فقالت: أدلكم على محمد بن أبي بكر على أن لا تقتلوا أخي؟ قالوا: نعم. فدلتهم عليه، فقال: احفظوني لأبي بكر. فقال معاوية: قتلت ثمانين من قومي في دم عثمان وأتركك وأنت صاحبه؟! تهذيب التهذيب 9: 80.
قال الأميني: إن أمثال هذه الفظايع والفجايع لبمقربة من مغازي ابن العاصي وأذنابه، ومن مرضات ابن آكلة الأكباد الذين لم يبالوا بإراقة الدماء الزاكية منذ بلغوا أشدهم، ولا سيما من لدن مباشرتهم الحرب في صفين إلى أن اصطلوا نار الحطمة فلم يفتأوا والغين في دماء الأخيار الأبرار دون شهواتهم المخزية.
وهب أن محمدا نال من عثمان ما حسبوه، فعجيب أن ينهض بثاره مثل معاوية