يزل بها إلى أن دعي فأجاب، وكأنه الغمام أمرع البلاد فانجاب، وكانت وفاته لثلاث عشرة بقين من ذي الحجة الحرام سنة ثمان وستين وألف رحمه الله تعالى، وله شعر يدل على علو محله، وإبلاغه هدي القول إلى محله، فمنه قوله متغزلا:
يا من مضوا بفؤادي عندما رحلوا * من بعد ما في سويد القلب قد نزلوا!
جاروا على مهجتي ظلما بلا سبب * فليت شعري إلى من في الهوى عدلوا؟
وأطلقوا عبرتي من بعد بعدهم * والعين أجفانها بالسهد قد كحلوا يا من تعذب من تسويفهم كبدي * ما آن يوما لقطع الحبل أن تصلوا؟
جادوا على غيرنا بالوصل متصلا * وفي الزمان علينا مرة بخلوا كيف السبيل إلى من في هواه مضى * عمري وما صدني عن ذكره شغل؟
واحيرتي ضاع ما أوليت من زمن * إذ خاب في وصل من أهواهم الأمل في أي شرع دماء العاشقين غدت * هدرى وليس لهم نار إذا قتلوا؟
يا للرجال من البيض الرشاق أما * كفاهم ما الذي بالناس قد فعلوا؟
من منصفي من غزال ما له شغل * عني ولا عاقني عن حبه عمل؟
نصبت أشراك صيدي في مراتعه * الصيد فني ولي في طرقه حيل فصاح بي صائح: خفض عليك فقد * صادوا الغزال الذي تبغيه يا رجل!
فصرت كالواله الساهي وفارقني * عقلي وضاقت علي الأرض والسبل وقلت: بالله قل لي: أين سار به * من صاده؟ علهم في السير ما عجلوا فقال لي: كيف تلقاهم وقد رحلوا * من وقتهم واستجدت سيرها الإبل؟
وقوله مادحا بعض الأمراء وهي من غرر كلامه:
لك الفخر بالعليا لك السعد راتب * لك العز والاقبال والنصر غالب لك المجد والاجلال والجود والعطا * لك الفضل والنعما لك الشكر واجب سموت على هام المجرة رفعة * ودارت على قطبي علاك الكواكب فيا رتبة لو شئت أن تبلغ السهى * بها أقبلت طوعا إليك المطالب بلغت العلا والمجد طفلا ويافعا * ولا عجب فالشبل في المهد كاسب سموت على قب السراحين صائلا * فكلت بكفيك القنا والقواضب