ما يجوز على غيرهم من الذنوب كلها، والأول باطل، لقوله: " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " (1) وقوله تعالى: " ولقد راودته عن نفسه فاستعصم (2) أي امتنع، لان العصم هو المنع، وقد غلط من أجرى الرسل والأنبياء مجرى العباد، يقع منهم الافعال الذميمة من أربعة وجوه: من الحسد والحرص والشهوة والغضب، فجميع تصرفات الناس التي هي من قبل الأجساد لا يحدث إلا من أحد هذه الوجوه الأربعة.
والأنبياء والرسل والأوصياء عليهم السلام لا يقع منهم فعل من جهة الحسد لان الحاسد إنما يحسد من هو فوقه، وليس فوق الأنبياء والرسل والأوصياء أحد منزله أعلا من منازلهم فيحسدوه عليها، ولا يجوز أن يقع منهم فعل من جهة الحرص في الدنيا على شئ من أحوالها لان الحرص مقرون به الامل، وحال الامل منقطعة عنهم لأنهم يعرفون مواضعهم من كرامة الله عز وجل.
وأما الشهوة فجعلها الله تعالى فيهم لما أراده من بقائهم في الدنيا، وانقطاع الخلائق لهم، وفاقتهم إليهم، فلولا موضع الشهوة لما أكلوا، فبطل قوة أجسامهم عن تكليفاتهم، ويبطل حال النكاح فلا يكون لهم نسل ولا ولد، وما جرى مجرى ذلك، فالشهوة مركبة فيهم لذلك، وهم معصومون مما يعرض لغيرهم من قبيح الشهوات.
ويكون الاصطبار وترك الغضب فيهم، فهم لا يغضبون إلا في طاعة الله تعالى قال الله سبحانه: " قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة " (3) فالفصل يقع بين الأنبياء والرسل والأوصياء من جهة الغضب، ولا يكون غضبهم إلا لله تعالى وفي الله سبحانه، فهذا معنى عصمة الله تعالى الأنبياء والرسل والأوصياء، فهم صلوات الله عليهم يجتمعون مع العباد في الشهوة والغضب على الأسماء ويباينونهم في المعنى.