ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، اللهم اجعلنا وإياهم على الهدى وجنبا وإياهم البلوى، واجعل الآخرة لنا ولهم خيرا من الأولى، فلما فرغ من كلامه أجابه الناس سراعا، فخرج بهم إلى الخوارج.
28 - ونقل: أن جماعة حضروا لديه وتذاكروا فضل الخط وما فيه فقالوا:
ليس في الكلام أكثر من الألف ويتعذر النطق بدونها فقال لهم في الحال هذه الخطبة من غير سابق فكرة ولا تقدم روية، وسردها وليس فيها ألف.
حمدت من عظمت منته، وسبغت نعمته، وتمت كلمته، ونفذت مشيته، و بلغت حجته، وعدلت قضيته، وسبقت غضبه رحمته، حمدته حمد مقر بربوبيته متخضع لعبوديته، متنصل من خطيئته، معترف بتوحيده، مستعيذ من وعيده مؤمل من ربه مغفرة تنجيه، يوم يشغل كل عن فصيلته وبنيه، ونستعينه ونسترشده ونؤمن به ونتوكل عليه، وشهدت له شهود عبد مخلص موقن، وفردته تفريد مؤمن متيقن، ووحدته توحيد عبد مذعن، ليس له شريك في ملكه، ولم يكن له ولي في صنعه، جل عن مشير ووزير (1) وعون ومعين ونظير، علم فستر، وبطن فخبر، وملك فقهر، وعصي فغفر، وعبد فشكر، وحكم فعدل، وتكرم وتفضل، لن يزول، ولم يزل، ليس كمثله شئ، وهو قبل كل شئ، وبعد كل شئ، رب متفرد بعزته متمكن بقوته، متقدس بعلوه، متكبر بسموه، ليس يدركه بصر، ولم يحط به نظر، قوي منيع بصير سميع (2) رؤوف رحيم، عجز عن وصفه من وصفه، وضل عن نعته من عرفه، قرب فبعد، وبعد فقرب، يجيب دعوة من يدعوه ويرزقه و يحبوه، ذو لطف خفي، وبطش قوي، ورحمة موسعة، وعقوبة موجعه، رحمته جنة عريضة مونقة، وعقوبته جحيم ممدودة موبقة، وشهدت ببعث محمد عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه وخليله، بعثه في خير عصر وحين فترة وكفر، رحمة لعبيده ومنة لمزيده، ختم به نبوته، ووضحت به حجته، فوعظ ونصح وبلغ وكدح، رؤوف