بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٤ - الصفحة ٣٧
يا موسى ما آمرك به فاسمع ومهما أراه فاصنع (1) خذ حقايق التوراة إلى صدرك وتيقظ بها في ساعات الليل والنهار ولا تمكن أبناء الدنيا من صدرك فيجعلونه وكرا كوكر الطير (2).
يا موسى أبناء الدنيا وأهلها فتن بعضهم لبعض فكل مزين له ما هو فيه و المؤمن من زينت له الآخرة، فهو ينظر إليها ما يفتر، قد حالت شهوتها بينه وبين لذة العيش فأدلجته بالاسحار (3) كفعل الراكب السائق إلى غايته، يظل كئيبا ويمسي حزينا (4) وطوبى له لو قد كشف الغطاء ماذا يعاين من السرور.
يا موسى الدنيا نطفة (5) ليست بثواب للمؤمن ولا نقمة من فاجر، فالويل الطويل لمن باع ثواب معاده بلعقة لم تبق وبلعسة لم تدم (6)، وكذلك فكن

(1) أي كل وقت أرى وأعلم ما آمرك حسنا فافعل فيه أي افعل الأوامر في أوقاتها التي آمرتك بأدائها فيها.
(2) الوكر والوكرة: عش الطائر.
(3) قال المصنف في المرآة: الادلاج: السير باليل وظاهر العبارة أنه استعمل هنا متعديا بمعنى التسيير بالليل ولم يأت فيما عندنا من كتب اللغة قال الفيروزآبادي: الدلج - محركة - والدلجة - بالضم والفتح -: السير من أول الليل وقد ادلجوا، فان ساروا من آخره فادلجوا - بالتشديد. انتهى. ويمكن أن يكون على الحذف والايصال أي أدلجت الشهوة معه وسيرته بالاسحار كالراكب الذي سائق قرينه إلى الغاية التي يتسابقان إليها والغاية هنا الجنة والفوز بالكرامة والقرب والحب والوصال أو الموت وهو أظهر.
(4) الكآبة: الغم وسوء الحال والانكسار من الحزن والمعنى أنه يكون في نهاره مغموما وفى ليله محزونا لطلب الآخرة ولكن لو كشف الغطاء حتى يرى ماله في الآخرة يحصل له السرور ما لا يخفى.
(5) النطفة: ما يبقى في الدلو أو القربة من الماء كنى بها عن قلتها.
(6) اللعقة القليل مما يلعق. واللعس - بالفتح -: العض والمراد هنا ما يقطعه بأسنانه وفى بعض نسخ المصدر " بلعقة لم تبق وبلعبة لم تدم ".
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»
الفهرست