ولد يموت فيحزن لموته، ولا له شئ يذهب فيحزن لذهابه، ولا يعرفه إنسان يشغله عن الله طرفة عين، ولا له فضل طعام ليسأل عنه، ولا له ثوب لين.
يا أحمد وجوه الزاهدين مصفرة من تعب الليل وصوم النهار، وألسنتهم كلال إلا من ذكر الله تعالى، قلوبهم في صدورهم مطعونة من كثرة ما يخالفون أهواءهم قد ضمروا أنفسهم من كثرة صمتهم (1) قد أعطوا المجهود من أنفسهم لا من خوف نار ولا من شوق جنة، ولكن ينظرون في ملكوت السماوات والأرض فيعلمون أن الله سبحانه وتعالى أهل للعبادة كأنما ينظرون إلى من فوقها، قال: يا رب هل تعطي لاحد من أمتي هذا، قال: يا أحمد هذه درجة الأنبياء والصديقين من أمتك وأمة غيرك وأقوام من الشهداء. قال: يا رب أي الزهاد أكثر؟ زهاد أمتي أم زهاد بني إسرائيل؟ قال: إن زهاد بني إسرائيل في زهاد أمتك كشعرة سوداء في بقرة بيضاء، فقال: يا رب كيف يكون ذلك وعدد بني إسرائيل أكثر من أمتي؟ قال: لأنهم شكوا بعد اليقين، وجحدوا بعد الاقرار. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فحمدت الله للزاهدين كثيرا وشكرته ودعوت لهم فقلت: اللهم احفظهم وارحمهم واحفظ عليهم دينهم الذي ارتضيت لهم، اللهم ارزقهم إيمان المؤمنين الذي ليس بعده شك وزيغ، وورعا ليس بعده رغبة، وخوفا ليس بعده غفلة، وعلما ليس بعده جهل، وعقلا ليس بعده حمق وقربا ليس بعده بعد، وخشوعا ليس بعده قساوة، وذكرا ليس بعده نسيان وكرما ليس بعده هوان، وصبرا ليس بعده ضجر، وحلما ليس بعده عجلة، واملا قلوبهم حياء منك حتى يستحيوا منك كل وقت، وتبصرهم بآفات الدنيا وآفات أنفسهم ووساوس الشيطان، فإنك تعلم ما في نفسي وأنت علام الغيوب.
يا أحمد عليك بالورع فان الورع رأس الدين ووسط الدين وآخر الدين إن الورع يقرب العبد إلى الله تعالى.
يا أحمد إن الورع كالشنوف (2) بين الحلي والخبز بين الطعام، إن الورع