تكرمني وأنا مغلوب إن لم تنصرني وأنا ضعيف إن لم تقوني وأنا ميت إن لم تحيني بذكرك، ولولا سترك لافتضحت أول مرة عصيتك. إلهي كيف لا أطلب رضاك وقد أكملت عقلي حتى عرفتك وعرفت الحق من الباطل والامر من النهي والعلم من الجهل والنور من الظلمة، فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لا أحجب بيني وبينك في وقت من الأوقات كذلك أفعل بأحبائي.
يا أحمد هل تدري أي عيش أهنأ وأي حياة أبقى؟ قال: اللهم لا، قال:
أما العيش الهنئ (1) فهو الذي لا يفتر صاحبه (2) عن ذكري ولا ينسى نعمتي ولا يجهل حقي، يطلب رضاي في ليله ونهاره، وأما الحياة الباقية فهي التي يعمل لنفسه حتى تهون عليه الدنيا وتصغر في عينه، وتعظم الآخرة عنده، ويؤثر هواي على هواه ويبتغي مرضاتي ويعظم حق عظمتي ويذكر علمي به، ويراقبني بالليل والنهار عند كل سيئة أو معصية، وينقى قلبه عن كل ما أكره، ويبغض الشيطان ووساوسه ولا يجعل لإبليس على قلبه سلطانا وسبيلا، فإذا فعل ذلك أسكنت قلبه حبا حتى أجعل قلبه لي وفراغه واشتغاله وهمه وحديثه من النعمة التي أنعمت بها على أهل محبتي من خلقي، وأفتح عين قلبه وسمعه حتى يسمع بقلبه وينظر بقلبه إلى جلالي وعظمتي، وأضيق عليه الدنيا وأبغض إليه ما فيها من اللذات واحذره من الدنيا وما فيها كما يحذر الراعي غنمه من مراتع الهلكة فإذا كان هكذا يفر من الناس فرارا، وينقل من دار الفناء إلى دار البقاء، ومن دار الشيطان إلى دار الرحمن.
يا أحمد ولأزيننه بالهيبة والعظمة فهذا هو العيش الهنئ والحياة الباقية وهذا مقام الراضين، فمن عمل برضاي ألزمه ثلاث خصال: اعرفه شكرا لا يخالطه الجهل، وذكرا لا يخالطه النسيان، ومحبة لا يؤثر على محبتي محبة المخلوقين فإذا أحبني أحببته، وأفتح عين قلبه إلى جلالي ولا أخفي عليه خاصة خلقي