أن لا تكلفهما أن يسألاك شيئا مما يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين، أليس يقول الله عز وجل " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " (1) قال: ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: وأما قول الله عز وجل " إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما " (2) قال: إن أضجراك فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما إن ضرباك قال " وقل لهما قولا كريما " قال: إن ضرباك فقل لهما: غفر الله لكما فذلك منك قول كريم، قال: " واخفض لهما جناح الذل من الرحمة " قال لا تمل (3) عينيك من النظر إليهما إلا برحمة ورقة، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما، ولا يدك فوق أيديهما ولا تقدم قدامهما (4).
بيان: " وبالوالدين إحسانا " أي وأحسنوا بهما إحسانا " أن تحسن صحبتهما " أي بالملاطفة، وحسن البشر، وطلاقة الوجه، والتواضع، والترحم وغيرها مما يوجب سرورهما، وفي إلحاق الأجداد والجدات بهما نظر " وإن كانا مستغنيين " أي يمكنهما تحصيل ما احتاجا إليه بمالهما.
" لن تنالوا البر " ظاهر الخبر أن المراد بالبر في الآية بر الوالدين، ويمكن أن يكون المراد أعم منه ويكون إيرادها لشمولها بعمومها له، وعلى التقديرين الاستشهاد إما لأصل البر أو لان إطلاق الآية شامل للانفاق قبل السؤال وحال الغنى لعدم التقييد فيها بالفقر والسؤال، فلا حاجة إلى ما تكلفه بعض الأفاضل حيث قال:
كأن الاستشهاد بالآية الكريمة أنه على تقدير استغنائهما عنه لا ضرورة داعية إلى قضاء حاجتهما كما أنه لا ضرورة داعية إلى الانفاق من المحبوب، إذ بالانفاق من غير المحبوب أيضا يحصل المطلوب إلا أن ذلك لما كان شاقا على النفس