مالكا لنفعه وضره، وقاسما لرزقه على ما علم صلاح دنياه وآخرته فيه، وأن الله مقلب القلوب، وهي بيده يصرفها كيف يشاء، وأن الآخرة الباقية خير من الدنيا الفانية صحيحا غير معلول، ولا مشوب بشك وشبهة، وأنه واقع ليس محض الدعوى.
" أن لا يرضي الناس بسخط الله " بأن يوافقهم في معاصيه تعالى طلبا لما عندهم من الزخارف الدنيوية أو المناصب الباطلة، ويفتيهم بما يوافق رضاهم من غير خوف أو تقية، ولا يأمرهم بالمعروف، ولا ينهاهم عن المنكر، من غير خوف ضرر أو عدم تجويز تأثير، بل لمحض رعاية رضاهم وطلب التقرب عندهم، أو يأتي أبواب الظالمين ويتذلل عندهم لا لتقية تجوزه، ولا لمصلحة جلب نفع لمؤمن، أو لدفع ضرر عنه، بل لطلب ما في أيديهم لسوء يقينه بالله وبرازقيته، مع أنه يترتب عليه خلاف ما أمله، كما روي: من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس.
قوله عليه السلام: " ولا يلومهم على ما لم يؤته الله " أي لا يذمهم ولا يشكوهم على ترك صلتهم إياه بالمال وغيره، فإنه يعلم صاحب اليقين أن ذلك شئ لم يقدره الله له ولا يرزقه إياه، لعدم كون صلاحه فيه مطلقا أو في كونه بيد هذا الرجل وبتوسطه، بل يوصله إليه من حيث لا يحتسب، فلا يلوم أحدا بذلك، لأنه ينظر إلى مسبب الأسباب ولا ينظر إليها، ولا يعترض على الله فيما فعل به وهذا اللوم يتضمن نوعا من الشرك، حيث جعلهم الرازق والمعطي مع الله، وسخطا لقضاء الله والموقن برئ منهما، فضمير " يؤته " راجع إلى المرء المسلم، وعائد ما محذوف بتقدير إياه.
وقيل: يحتمل أن يكون المراد أنه لا يلومهم على ما لم يؤته الله إياهم فان الله خلق كل أحد على ما هو عليه وكل ميسر لما خلق له فيكون كقوله عليه السلام لو علم الناس كيف خلق الله هذا الخلق لم يلم أحد أحدا، ولا يخفى بعده لا سيما بالنظر إلى التعليل بقوله " فان الرزق لا يسوقه حرص حريص " أي الرزق الذي