أي من دركات جهنم التي هي أبدان الحيوانات، وكذا في قوله " فهل إلى خروج من سبيل (1) " وقوله تعالى " ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون (2) " وفي قوله تعالى " وما من دابة في الأرض - الآية - (3) " معناه: أنهم كانوا مثلكم في الخلق والعلوم والمعايش والصناعات، فانتقلوا إلى أبدان هذه الحيوانات، وفي قوله تعالى " كونوا قردة خاسئين (4) " أي بعد المفارقة، وفي قوله تعالى " ونحشر هم يوم القيامة على وجوهم (5) " أي على صور الحيوانات المتنكسة الرؤوس، إلى غير ذلك من الآيات. ومن نظر في كتب التفسير بل في سياق الآيات لا يخفى عليه فساد هذه الهذيانات.
وجوز بعض الفلاسفة تعلق النفوس المفارقة ببعض الاجرام السماوية للاستكمال وبعضهم على أن نفوس الكاملين تتصل بعالم المجردات، ونفوس المتوسطين تتخلص إلى عالم المثل المعلقة في مظاهر الاجرام العلوية على اختلاف مراتبهم في ذلك، ونفوس الأشقياء إلى هذا العالم في مظاهر الظلمانيات في الصور المستكرهة بحسب اختلاف مراتبهم في الشقاوة، فيبقى بعضهم في تلك الظلمات أبدا لكون الشقاوة في الغاية، وبعضهم ينتقل بالتدريج إلى عالم الأنوار المجردة.
الثالثة: أن النفس لا تفنى بفناء البدن. قال في شرح المقاصد: فناء البدن لا يوجب فناء النفس المغائرة له مجردة كانت أو مادية أي جسما حالا فيه، لان كونها مدبرة له متصرفة فيه لا يقتضي فناءها بفنائه، لكن مجرد ذلك لا يدل على كونها باقية البتة، فلهذا احتيج في ذلك إلى دليل، وهو عندنا النصوص من الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهي من الكثرة والظهور بحيث لا يفتقر إلى الذكر. وقد أورد الامام في المطالب العالية من الشواهد العقلية والنقلية في هذا الباب ما يفضي ذكره إلى الاطناب وأما الفلاسفة فزعموا أنه يمتنع فناء النفس.