وتكون الرطوبة واسطة لتسهل وصول جوهر المحسوس الحامل للكيفية إلى الحاسة أو بأن يتكيف نفس الرطوبة بالطعم بسبب المجاورة فتغوص وحدها فيكون المحسوس كيفيتها، وعلى التقديرين لا واسطة بين الذائقة ومحسوسها حقيقة بخلاف الابصار المحتاج إلى توسط الجسم الشفاف.
ومنها اللامسة وهي منبثة في البدن كله من شأنها إدراك الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ونحو ذلك، بأن ينفعل عنها العضو اللامس عند الملامسة بحكم الاستقراء. قال الشيخ: أول الحواس الذي يصير به الحيوان حيوانا هو اللمس فإنه كما أن للنبات قوة غاذية يجوز أن يفقد سائر القوى دونها كذلك حال اللامسة للحيوان، لان صلاح مزاجه من الكيفيات الملموسة وفساده باختلالها، والحس طليعة للنفس فيجب أن يكون الطليعة الأولى هو ما يدل على ما منع به الفساد ويحفظ به الصلاح، وأن يكون قبل الطلائع التي تدل على أمور تتعلق ببعضها منفعة خارجة عن القوام، ومضرة خارجة عن الفساد. والذوق وإن كان دالا على الشئ الذي به يستبقى الحياة من المطعومات فقد يجوز أن يبقى الحيوان بدونه لارشاد الحواس الاخر على الغذاء الموافق واجتناب المضار. وليس شئ منها يعين على أن الهواء محرق أو مجمد. ولشدة الاحتياج إليه كان بمعونة الأعصاب ساريا في جميع الأعضاء إلا ما يكون عدم الحس أنفع له كالكبد والطحال والكلية، لئلا تتأذى بما يلاقيها من الحاد اللذاع، فإن الكبد مولد للصفراء والسوداء، والطحال والكلية مصبان لما فيه لذع، وكالرئة فإنها دائمة الحركة فتتألم باصطكاك بعضها ببعض، وكالعظام فإنها أساس البدن ودعامة الحركات، فلو أحست لتألمت بالضغط والمزاحمة وبما يرد عليها من المصاكات.
ثم إن الجمهور ذهبوا إلى أن اللامسة قوة واحدة بها يدرك جميع الملموسات كسائر الحواس، فإن اختلاف المدركات لا يوجب اختلاف الادراكات ليستدل بذلك على تعدد مبادئها. وذهب كثير من المحققين ومنهم الشيخ إلى أنها قوى متعددة بناء على ما مهدوه في تكثير القوى من أن القوة الواحدة لا يصدر عنها أكثر من واحد