يرتضيه العقل الصحيح بقدر الطاقة البشرية، وسمي حكمة عملية. وفسروا الحكمة على ما يشمل القسمين بأنها خروج النفس من القوة إلى الفعل في كمالها الممكن علما وعملا. إلا أنه لما كثر الخلاف وفشا الباطل والضلال في شأن الكمال، وفي كون الأشياء كما هي والأمور على ما ينبغي، لزم الاقتداء في ذلك بمن ثبت بالمعجزات الباهرة أنهم على هدى من الله تعالى، وكانت الحكمة الحقيقية هي الشريعة، لكن لا بمعنى مجرد الاحكام العملية، بل بمعنى معرفة النفس مالها وما عليها والعمل بها، على ما ذهب إليه أهل التحقيق: من أن المشار إليها في قوله " ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا " (1) هو الفقه، وأنه اسم للعلم والعمل جميعا.
وقد تقسم الحكمة المفسرة بمعرفة الأشياء كما هي إلى النظرية والعملية، لأنها إن كانت علما بالأصول المتعلقة بقدرتنا واختيارنا فعملية، وغايتها العمل وتحصيل الخير، وإلا فنظرية وغايتها إدراك الحق وكل منهما ينقسم بالقسمة الأولية إلى ثلاثة أقسام، فالنظرية إلى الإلهي والرياضي والطبيعي، والعملية إلى علم الأخلاق وعلم تدبير المنزل وعلم سياسة المدينة. لان النظرية إن كان علما بأحوال الموجودات من حيث يتعلق بالمادة تصورا وقواما فهي العلم الطبيعي، وإن كان من حيث يتعلق بها قواما لا تصورا فالرياضي، كالبحث عن الخطوط والسطوح وغيرهما مما يفتقر إلى المادة في الوجود لا في التصور، وإن كان من حيث لا يتعلق بها لا قواما ولا تصورا فالإلهي ويسمى العلم الأعلى وعلم ما بعد الطبيعة، كالبحث عن الواجب والمجردات وما يتعلق بذلك.
والحكمة العملية إن تعلقت بآراء ينتظم بها حال الشخص وذكاء نفسه فالحكمة الخلقية، وإلا فإن تعلقت بانتظام المشاركة الانسانية الخاصة فالحكمة المنزلية والعامة فالحكمة المدنية والسياسة.
ثم قال: للانسان قوة شهوية هي مبدأ جذب المنافع ودفع المضار من المآكل والمشارب وغيرها، وتسمى القوة البهيمية والنفس الامارة، وقوة غضبية هي