أقول: لما كانت رسالة " الباب المفتوح إلى ما قيل في النفس والروح " للشيخ الفاضل الرضي علي بن يونس العاملي - روح الله روحه - جمة الفوائد، كثيرة العوائد مشتملة على جل ما قيل في هذا الباب من غير إسهاب وإطناب أوردت ههنا جميعا وهي هذه:
الحمد لله الذي خلق النفوس وحجب حقيقتها عنا، فإن العين تبصر غيرها ويتعذر إدراك نفسها منها، فأوجب ذلك خبط العلماء فيها، ولم يصل أكثرهم بدقيق الفكر إليها، وقد قال العالم الرباني الذي أوجب الله حقه " من عرف نفسه فقد عرف ربه " أشار بامتناع معرفة نفسه مع قربه إلى امتناع الإحاطة بكنه ربه، وما قيل في تفسيره:
من عرفها بالمخلوقية عرفه بالخالقية، لا يدفع ما قصد ناه، ولا يمتنع ما ذكرناه، إذ معرفتها بصفة حدوثها لا يستلزم معرفة عينها، فإن معرفتها ليست ضروريا بلا خلاف لوجود الخلاف فيها، ولا كسبية لامتناع صدق الجنس والفصل عليها، بل الاعتراف بالعجز عن وجدانها أسهل من الفحص عن كنهها وبرهانها، والانسان ضعيف القوة محدود الجملة، معلومه أقل من مظنونه، وتخمينه أكثر من يقينه، لكن من كان نظره أعلا، ونقده أجلا، ونوره أصنع، وفكره أشيع، كان من الشك أنجى، ومن الشبهة أنأى، وثاقب بصره الأسنى إلى النفس أدنى. وهذا الانسان الضعيف الصغير فيه ذلك البسيط اللطيف جزء يسير، فكيف يدرك بجزء منه كله، ويقبل منه جميعه وهذا يتعذر أن يكون معلوما، ويبعد وإن لم يكن معدوما، بل يكفي أن يعلم أنها قوة إلهية مسببة واسطة بين الطبيعة المصرفة والعناصر المركبة، والمثير لها، الطالع عليها، السائغ فيها، الممتزج بها، فالانسان ذو طبيعة لآثارها البادية في بدنه، وذو نفس لآثارها الظاهرة في مطلبه ومأربه، وذو عقل لتميزه وغضبه وشكه ويقينه، وها أنا ذا واضع لك في هذا المختصر المسمى ب " الباب المفتوح إلى ما قيل في النفس والروح " ما بلغني من أقاويل الأوائل، وما أوردوا من الشبهات والدلائل، راج من واهب المواهب، الإشارة إلى مأخذ تلك المذاهب، مورد ما حضرني من دخل فيها.