الصورة على ما كان منه من القبائح، لان تغير الهيئة والصورة لا يوجب الخروج عن استحقاق الذم، كما لا يخرج المهزول إذا سمن عما كان يستحقه من الذم، وكذا السمين إذا هزل.
فإن قيل: فيقولون إن هؤلاء الممسوحين تناسلوا، وإن القردة في أزماننا هذه من نسل أولئك. قلنا: ليس يمتنع أن يتناسلوا بعد أن مسخوا، لكن الاجماع حاصل على أنه ليس شئ من البهائم من أولاد آدم، ولولا هذا الاجماع لجوزنا ما ذكر. وعلى هذه الجملة التي قررناها لا ينكر صحة الأخبار الواردة من طرقنا بالمسخ لأنها كلها يتضمن وقوع ذلك على من يستحق العقوبة والذم من الأعداء والمخالفين.
فإن قيل: أفتجوزون أن يغير الله تعالى صورة حيوان جميلة إلي صورة أخرى غير جميلة، بل مشوهة منفور عنها، أم لا تجوزون؟. قلنا: إنما أجزنا في الأول ذلك على سبيل العقوبة لصاحب هذه الخلقة التي كانت جميلة ثم تغيرت، لأنه يغتم بذلك ويتأسف، وهذا الغرض لا يتم في الحيوان التي (1) ليس بمكلف، فتغيير صورهم عبث، فإن كان في ذلك غرض يحسن لمثله جاز (انتهى).
وظاهر كلامه - رحمه الله - أولا وآخرا أنه عند المسخ يخرج عن حقيقة الانسانية ويدخل في نوع آخر، فيه نظر، والحق أن امتياز نوع الانسان إذا كان بهذا الهيكل المخصوص وهذا الشكل والتخطيط والهيئة فلا يكون هذا إنسانا، بل قردة (2) وخنزيرا وإن كان امتيازه بالروح المجرد أو الساري في البدن - كما هو الأصوب - كانت الانسانية باقية غير ذاهبة، وكان إنسانا في صورة حيوان، ولم يخرج من نوع الانسان ولم يدخل في نوع آخر. وقد روي عن أبي جعفر عليه السلام: أن الفرقة المعتزلة عن أهل السبت لما دخلوا قريتهم بعد مسخهم، عرفت القردة أنسابها من الانس، ولم يعرف الانس أنسابها من القردة، فقال القوم للقردة: ألم ننهكم؟. وفي تفسير العسكري عليه السلام: فمسخهم الله كلهم قردة وبقي باب المدينة مغلقا لا يخرج منهم أحد ولا يدخل إليهم أحد، وتسامع